اندلاع انتفاضة الأقصى
تعتبر انتفاضة الأقصى إحدى المراحل المهمة التي أثرت في حركة حماس، وسعت من خلالها الحركة لإثبات كيانها وتعزيز موقفها وزيادة شعبيتها، وأثرت الانتفاضة على الخريطة السياسية الفلسطينية، وقلبت موازينها رأسًا على عقب، وكان لحماس دور ريادي بقيادة الانتفاضة ومجرياتها، مع حفظ جهود باقي المنظمات الفلسطينية المقاومة.
كان واضحًا قبيل الانتفاضة ما عانته حماس من إغلاق لمقراتها ومصادرة أموالها، واعتقال مقاوميها وقادتها من قبل السلطة الفلسطينية منعًا للمقاومة المسلحة، وتنفيذًا لبنود اتفاق أوسلو، إلا أن الانتفاضة فرضت على الساحة الفلسطينية واقعًا جديدًا، منح الحركة الفرصة لإعادة تشكيل صفوفها وبناء أجهزتها الدعوية والطلابية والسياسية والعسكرية.
أسباب اندلاع الانتفاضة
تنوعت الأسباب التي انطلقت لأجلها انتفاضة الشعب الفلسطيني الثانية “انتفاضة الأقصى”، فكانت هناك أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة لاندلاعها، ومن الأسباب المباشرة كانت زيارة زعيم حزب الليكود أريئيل شارون إلى المسجد الأقصى في يوم الخميس 28 أيلول/سبتمبر 2000م، وقد كانت زيارة استفزازية، إضافة إلى العنف الشديد الذي عالجت به الحكومة الإسرائيلية أحداث الانتفاضة واتباع أساليب قمع قاسية لم يشهدها الشعب الفلسطيني في الانتفاضة الأولى.
كانت زيارة شارون الاستفزازية للمسجد الأقصى الشرارة التي أشعلت الانتفاضة
ومن الأسباب غير المباشرة الاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى المبارك، إضافة إلى التراكمات السلبية لعملية السلام من خلال سلسلة الاتفاقيات والمعاهدات التي لم تصب أي منها في مصلحة الشعب الفلسطيني، ابتداء من مؤتمر مدريد 1991، واتفاقية أوسلو 1993، واتفاق “واي ريفر” 1998، ومعاهدة شرم الشيخ 1999، وقمة “كامب ديفيد” 2000.
ولم يستطع الشعب الفلسطيني مع كل هذه الاتفاقيات تحقيق ولو جزء بسيط من آماله، والتي لم تجلب له إلا مزيدًا من الحصار والمنع والقتل والاعتقال، ومن الأسباب الأخرى أيضًا كانت سياسة الاستيطان وانعكاساتها من خلال اتباع سياسات تفريغ الأرض من أصحابها، ومن ثم وقعت تلك الأراضي تحت وطأة مشاريع الاستيطان والتي لم تتوقف إلى الآن، بل أتت بالتدرج على معظم الأراضي الفلسطينية.
تشكيل بنية حماس وإعادتها
قطعت حماس خلال وقت قصير جدًا شوطًا كبيرًا في إعادة بنيتها، حتى أضحت نموذجًا متقدمًا للمشروع الوطني التحرري فلسطينيًا، وحالة سياسية رفيعة ذات مصداقية جلية عربيًا وإسلاميًا ودوليًا، فمنذ اللحظة الأولى لاندلاع انتفاضة الأقصى، أعادت حماس تصويب المشروع الوطني بتقديمها تجربة سياسية جهادية جديدة تقوم على الثوابت والتضحية للحفاظ عليها.
ومنذ بداية الانتفاضة عملت حماس بمسميات مختلفة في أشهرها الأولى مثل مجموعات “عمر المختار” وغيرها من الأسماء، ونفذت العديد من العمليات باسمها؛ بسبب عدم وضوح المرحلة في بدايتها، والخوف على مصير الحركة، لاسيما وأن كوادرها آنذاك عانوا الأمرّين في سجون السلطة الفلسطينية، والمئات منهم في سجونها.
قدمت حماس في انتفاضة الأقصى آلافًا من جنودها وقياداتها شهداء في سبيل الحق الفلسطيني
تشير ملفات المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وما نشرته الدوائر الاستخباراتية الإسرائيلية لاحقًا إلى الدور الفعال الذي لعبته حماس بداية انتفاضة الأقصى تحت لافتات متنوعة، وتعرضت نتيجة لذلك لحرب شاملة من الاحتلال الإسرائيلي، حيث تعرض كوادرها لعمليات الاغتيال والملاحقة.
قدمت الحركة خلال انتفاضة الأقصى آلافًا من جنودها وقياداتها شهداء في سبيل الحفاظ على الحق الفلسطيني بأرضه ومقدساته، رافضة كل محاولات التدجين السياسي، ونأت بنفسها عن التورط في مشاريع التسوية والتنسيق الأمني.
وسارعت الحركة في هذه المرحلة لإعادة ترميم بنيتها التحتية التي دمرتها أجهزة أمن السلطة الفلسطينية لتقف بجانب شعبها في انتفاضته المباركة، وتعيد تصويب بوصلة الشعب الفلسطيني لوجهتها الصحيحة.
وحرصت حماس على إبقاء جذوة الانتفاضة مشتعلة من خلال مئات العمليات الفدائية والاستشهادية، رغم ما عانته من شح السلاح في ظل الخذلان العربي للمقاومة، والملاحقة الإسرائيلية المشددة.
سياسات حماس خلال انتفاضة الأقصى
رأت حماس في المقاومة المسلحة فرصة لتعزيز موقفها السياسي الرافض للتسوية، وإثبات كيانها، وتعزيز موقفها، فقدمت الحركة أفواجًا من مقاتليها في عمليات عسكرية مدوية ومتلاحقة.
نفذت حماس أول عملية استشهادية في انتفاضة الأقصى في آذار/مارس 2001 بمدينة نتانيا، واستهدفت الجنود الإسرائيليين والمستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وحققت من خلال عملياتها القتالية حالة من التوازن والخوف مع المحتل الإسرائيلي، فاستخدمت العديد من الأساليب القتالية التي كبدت جيش الاحتلال الكثير من الخسائر، وزعزعت الأمن الإسرائيلي المزعوم في الداخل.
استخدمت حماس العديد من الأساليب التي تقربها من الجماهير وتقرب الشارع الفلسطيني منها لتوسيع شعبيتها، وذلك من خلال:
أولًا: البُعد الديني ومصداقية الخطاب
يعد المسجد الأقصى من الأماكن المقدسة للمسلمين، ما أعطى السمة الدينية للانتفاضة بالتوازي مع خطاب حماس للجماهير كحركة إسلامية، وأثبتت حماس أن خيار التسوية دون مقاومة من الصعب أن يحقق أهداف الفلسطينيين، وبالتالي أعطى مصداقية لخطاب حماس الرافض للتسوية.
ثانيًا: الرصيد الشعبي والجماهيري
منذ بداية الانتفاضة ورصيد حماس الشعبي في زيادة يوما بعد يوم، مستفيدة من الخبرة العسكرية والرصيد الجهادي المقاوم، وعكست تضحياتها في الانتفاضة الحجم الحقيقي لها، حيث تفوقت الحركة في العمل العسكري النوعي، وبدت ظاهرة للعالم أجمع أنها عمليات نوعية، فكسبت حماس بهذا المجال، وفي تقديم الخدمات الاجتماعية، ما جعلها مقربة لقلوب الجماهير وآمالهم.
ثالثًا: مشاركة حماس في النظام السياسي الفلسطيني
بعد تنامي شعبية حماس في الداخل الفلسطيني، واجهت ضغوطًا دولية بعد وضعها على لائحة الإرهاب، وتصعيد الكيان الإسرائيلي من هجماته ضدها، ما دفعها إلى إعادة ترتيب عملها الداخلي وفق ما يحقق لها الحفاظ على تواجدها في الساحة الفلسطينية، لاسيما نحو المشاركة في العمل السياسي بما يحميها من تغييب برامجها عن الساحة الفلسطينية، فأصبح العمل السياسي يسير جنبًا إلى جنب مع العمل العسكري.
رابعًا: العمل العسكري وتوظيف الانتفاضة
شهد العمل العسكري طفرات ونقلات جذرية بعد رحلة في العمل المقاوم استمرت عشرين عامًا منذ تأسيس حماس عام 1987، ما أكسبها القدرة والخبرة في اختراق التحصينات الإسرائيلية من خلال العمليات الاستشهادية التي أحدثت دويًا هائلًا زعزعت من خلالها الحركة الأمن الإسرائيلي، فنفذت معظم هذه العمليات في فلسطين المحتلة عام 1948، واستطاعت توظيف الانتفاضة وتحويلها لمكسب سياسي، وما حققته على الصعيد العسكري ترجم لمكسب سياسي على أرض الواقع بالاندحار الإسرائيلي عن غزة، وظهرت ثمار الانتفاضة السياسية بفوز الحركة في الانتخابات التشريعية عام 2006.
إدارة حماس لانتفاضة الأقصى
حققت حماس ومقاومتها إنجازات مميزة خلال انتفاضة الأقصى، بتوسيع دائرة عملها العسكري الذي أوقع خسائر في صفوف الجيش الإسرائيلي من قتل ودمار.
وتقدمت كتائب الشهيد عز الدين القسام جناح حماس العسكري بفارق ملحوظ عن الأجنحة العسكرية لباقي الفصائل، وتبوأت المرتبة الأولى في تسجيل أعداد القتلى الإسرائيليين بواقع 465 قتيلا، بما نسبته 46.5 في المئة، ثم تبوأت المرتبة الأولى فيما يتعلق بالإصابات في صفوفهم بواقع 2914 جريحا، بما نسبته 45.8 في المئة حتى عام 2006.
أحيت حماس انتفاضة الأقصى جماهيريًا وأوصلت رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم
هذا بجانب عدد العمليات التي نفذت يوميًا ضد أهداف إسرائيلية من قصف المستوطنات بقذائف الهاون أو صواريخ القسام، أو العمليات الاستشهادية وعمليات خطف الجنود، كل هذه التضحيات والعطاءات أدت إلى تأييد وتعاطف ومناصرة فئة كبيرة من الشعب الفلسطيني لحماس.
أحيت حماس انتفاضة الأقصى جماهيريًا، وأوصلت رسالة الشعب الفلسطيني إلى العالم من خلال مئات التظاهرات والمسيرات التي دعت إليها، أو شاركت فيها خلال سنوات الانتفاضة، وأسست دعائم الإعلام المقاوم عن طريق إنشاء عدة وسائل إعلامية مقروءة ومسموعة ومرئية رفعت شعار المقاومة وعززت قيمها، وحافظت على الجبهة الداخلية، ورفعت صوت الانتفاضة داخليًا وخارجيًا.
حرصت حماس على التخفيف من معاناة الشعب الفلسطيني، وجهدها الكبير المبذول في إطار معالجة القضايا الاقتصادية والاجتماعية المختلفة، فقد أرخ الواقع الفلسطيني للعمل الأصيل الذي بادرت به الحركة –ولا تزال– عبر جمعياتها الخيرية التي خففت من ثقل معاناة أبناء شعبنا تحت الاحتلال.
كما حرصت الحركة منذ بداية الانتفاضة على تماسك المجتمع الفلسطيني وترابطه، وعززت مفهوم الوحدة الوطنية عمليًا من خلال البيانات السياسية المشتركة والعمليات الجهادية المنسقة مع جميع فصائل المقاومة.
المقاومة المسلحة
شكلت حماس عنوان المرحلة خلال انتفاضة الأقصى ورائدة المقاومة، فقدمت خلالها خيرة قادتها وأبنائها شهداء ومعتقلين، حتى إن أكثر من نصف القتلى والجرحى الصهاينة في الانتفاضة قتلوا على يد مقاتلي حماس.
كما شكلت حماس خلال انتفاضة الأقصى العديد من الظواهر في عالم المقاومة، وكانت السباقة بابتكار وسائلها الجديدة، وأصبحت الفصائل الأخرى تحذو حذوها، ورغم ما واجهته الحركة من حظر إسرائيلي على الأسلحة وخذلان عربي للمقاومة، فقد ذهبت لتصنيع العديد من الأسلحة الخفيفة والثقيلة، حتى باتت تتحكم في ترسانة عسكرية فعالة تحقق توازن الرعب مع الاحتلال.
كانت حماس أول من أفرز العمل الاستشهادي والتفجيري النوعي في الانتفاضة، وأول من نفذ عمليات اقتحام المستوطنات، وأول من أطلق قذائف الهاون والصواريخ، وأبقت على جذوة الانتفاضة مشتعلة من خلال مئات العمليات الفدائية والاستشهادية، ومثلت رأس حربة مقاومة الشعب الفلسطيني في مواجهة بطش الاحتلال وظلمه وتغوله على الحقوق الفلسطينية.
حرصت حماس منذ بداية الانتفاضة على الوحدة الوطنية، وعززت مفهوم الشراكة السياسية عمليًا بالبيانات السياسية المشتركة والعمليات الجهادية المنسقة مع فصائل المقاومة كافة.