أجندة فلسطينية

اندحار الاحتلال عن غزة

يعتبر تحرير قطاع غزة الإنجاز الأهم للمقاومة الفلسطينية في انتفاضة الأقصى، إذ وجد الجنرال الإسرائيلي أريئيل شارون نفسه مضطرًا لإعلان الاندحار عن قطاع غزة وبعض مستوطنات شمال الضفة الغربية يوم 15 أغسطس/آب 2005.

شكل هذا الإنجاز التاريخي نتيجة لانتصار المقاومة وعلى رأسها حركة حماس من خلال عملياتها الاستشهادية والعسكرية التي قتلت مئات الجنود والمستوطنين خلال انتفاضة الأقصى، وانعدام أمن مستوطنيه بغزة، وارتفاع كلفة حمايتهم تحت ضربات قذائف الهاون وتفجير أبراج الحراسة بأنفاق من تحتها واقتحامها بعمليات فدائية، وقد أكدت كتائب الشهيد عز الدين القسـام في حينها أن غزة بداية الانتصار وستواصل المشوار، مشيرة إلى أن أربع سنوات من المقاومة غلبن عشرًا من المساومة.

مثّل الاندحار عن القطاع تقويضًا واضحًا للحلم الإسرائيلي بدولة ممتدة الأطراف تلتهم الأرض العربية الواحدة تلو الأخرى.

استمر الاحتلال العسكري لقطاع غزة مدة 38 عامًا، وفي النهاية اضطر خانعًا للاندحار بعدما فرضت ضراوة المقاومة الفلسطينية وبسالتها واقعًا جديدًا في مواجهة الاحتلال وإيلامه، وشكّل الاندحار الإسرائيلي عن غزة تراجعًا واضحًا للمشروع الإسرائيلي وانتصارًا لخيار المقاومة، وثمرة لنضالات الشعب الفلسطيني المتواصلة والتضحيات الكبرى التي قدمها ومقاومته الباسلة لدحر الاحتلال.

مثّل الاندحار عن القطاع تقويضًا واضحًا للحلم الإسرائيلي بدولة ممتدة الأطراف تلتهم الأرض العربية الواحدة تلو الأخرى، فيما كسر هيبة جيش الاحتلال وحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، واعتبرت حماس الاندحار عن غزة إنجازًا وطنيًا ومقدمة لتحرير باقي الأراضي المحتلة، وهي السابقة الأولى فلسطينيًا لانسحاب إسرائيلي من أراض محتلة.

ويعتبر هذا الاندحار من الإنجازات المهمة عبر العمليات التي نفَّذها رجال المقاومة، ما مكَّنها من الانتقال خطوة متقدمة للأمام، وولوج مرحلة نوعية جديدة من المقاومة، بعد أن حققت أول إنجاز ميداني تمثل في انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من غزة تحت ضرباتها.

وفي الوقت الذي تنافست فيه قوى المقاومة على تكبيد الاحتلال أكبر الخسائر على مختلف الأصعدة، إلا أن كتائب عز الدِّين القسَّام الجناح العسكري لحركة حماس سجلت أكبر عدد لتفجيرات السيارات وعمليات الاستشهاديين في المدن الإسرائيلية الرئيسة، وتمكنت من ابتكار أساليب هجومية جديدة وخطيرة ضد أهداف إسرائيلية؛ كتفجير السيارات المفخخة بواسطة العبوات الناسفة الصغيرة التي تحتوي كمية كبيرة من المواد المتفجرة والمسامير في حال اقتراب الإسرائيليين، وهي محاولة تدلّ على وجود نمط جديد ينتهجه المقاومون، ما اعتبره الإسرائيليون تصعيدًا وتطورًا خطيرين.

تميزت المقاومة وخاصة حركة حماس بتفردها في الاستمرار بالفعل المقاوم كأولوية في برنامج عملها لا يتأثر بالتطورات الداخلية إلا بقدر حمايته ودعمه وتعزيزه، وتمكنت من التوفيق بين المشاركة السياسية عبر الانتخابات البلدية والتشريعية لتمثل قاعدتها الشعبية في المجلس التشريعي وصولًا لتمكنها من تشكيل الحكومة، وبين تمسكها بخيار المقاومة كاستراتيجية تحرير وأولوية أهداف برنامجها السياسي.

ملامح تميز أداء حماس خلال انتفاضة الأقصى:

– قوة الحضور الميداني والعمليات النوعية والقدرة على تطوير وسائلها.

– شن حرب استنزاف يومية على الجيش الإسرائيلي.

– الموقف السياسي الرافض لعملية التسوية.

– الخطاب التعبوي الاستنهاضي لإرادة الشعب الفلسطيني.

هذا المنهج مكّن حماس من استمرار عملها وتطوير أدائها وإزالة المعوقات أمامها وعدم التصادم مع السلطة الفلسطينية قدر الإمكان، وكسب ثقة المجتمع وقناعته بجدوى عملياتها وصوابية نهجها، وعدم استغلال نجاحها في مبارزة العدو والتفوق على إجراءاته الوقائية والأمنية من أجل مكسب داخلي خاص أو حصة في السلطة، بل الابتعاد عن الغرور في التعامل مع القوى الأخرى، وشرائح المجتمع والحرص على توظيف الانتصارات وتقديمها لمصلحة المجتمع والوطن بأسره.

كيف أثمر برنامج حماس نجاحًا على المدى الاسترايجي؟

عمدت حماس على جعل برنامجها مستمرًا على المدى الإستراتيجي من خلال:

1- إصرارها على استئناف عملياتها، وإن كان هناك هدوء لبعض الوقت، فإنه يأتي في سياق التحضير لموجات كبيرة من المواجهات مع قوات الاحتلال، ولكن مع المعطيات الجديدة قد تتغير أشكال المقاومة.

2- عدم توقفها عن إيجاد آليات لتوفير السلاح إما بتهريبها من الخارج أو صنعها محليا، واستمرارها بتطوير وسائلها القتالية بما يتواءم مع المستجدات.

3- عزمها على إبقاء مكان للقذائف والصواريخ محلية الصنع في ميدان المقاومة المقبل، سواء بقي الأمر في غزة أم أنها ستصل للضفة الغربية في نهاية المطاف.

4- قناعة حماس بأن الاندحار الإسرائيلي عن غزة شكّل نقلة نوعية تاريخية في الوعي الفلسطيني تجاهها، وتبنيها كخيار استراتيجي على حساب خيار المفاوضات والتنازلات.

لقد كان الاندحار الإسرائيلي عن غزة، وفضلًا عن كونه توجهًا إسرائيليًا أحادي الجانب، لكنه جاء في بعض مسوغاته نتيجة للمقاومة المسلحة والشعبية معًا، بعد أن فشل خيار المفاوضات على مدى أكثر من عشر سنوات في تفكيك أي من المستوطنات القائمة في غزة.

كيف أسهمت حماس في اندحار الاحتلال عن قطاع غزة؟!

يمكن تلخيص دور حماس خلال انتفاضة الأقصى وتأثيرها في إنجاز الاندحار الإسرائيلي عن قطاع غزة، وإفشال مخططات الاحتلال التوسعية والأمنية والسياسية والاقتصادية، وعدم تمكينه من تحقيق أي منها بالنقاط التالية:

أولًا: قدرة حماس الذاتية وثباتها في مواجهة العدوان ونجاحها في مقارعة المحتل بمختلف الوسائل الأمنية والعسكرية والإعلامية والسياسية واكتساب الثقة الشعبية، واحتضان المجتمع لدورها، واستعداده للتحمل والتضحية.

ويكمن سبب الالتفاف الشعبي حول خيار حماس في إصرار قادتها على بقائها وديمومتها، حتى لو شهدت فترة من الهدوء والاستعداد لليوم التالي، وربما أبلغ ما قيل في ذلك ما أشار إليه خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس حين قال إنه طالما بقي الاحتلال على أرضنا فنحن متمسكون بالمقاومة وبسلاحها، لأنها حق مشروع لشعبنا، ولأن سلاحها هو الشرعي للدفاع عن الشعب والأرض والمقدسات.

ثانيًا: مبدئية حماس وتمسكها بالحق، ورفض منطق المساومة على الحقوق، والبراعة في التعامل مع المتغيرات، وترتيب الأولويات، وتحديد الضرورات، وعدم التزاحم في المصالح، والتعامل مع الواقع ومتغيراته، وتنظيم الاختلاف وإدارته مع القوى الأخرى المتباينة مع مواقع المقاومة أو فكرها، وعدم الانجرار للنزاعات الداخلية، وتعزيز وحدة المجتمع وتدعيمها، وتبديد الهواجس والظنون، والارتكاز للقراءة الواعية لمعطيات الصراع، وتعزيز الثقة لتوحيد الجهود وتحويلها لخدمة قضية التحرير. 

ثالثًا: نجاح حماس بتقوية العلاقات السياسية مع القوى المؤثرة أو الشريكة في الصراع محليًا وإقليميًا، وشرح موقفها من المتغيرات، وفهم وجهة نظرها، وإبقاء الاختلاف معها في إطار الأدوار والمسؤوليات المختلفة، وعدم تجزئة القضية الواحدة، والتفكيك بين مساراتها، وترسيخ دور المقاومة خيارًا لاستعادة الحقوق لا يتعارض مع دور الدبلوماسية، إنما يدعم الموقف السياسي ويحصنه أمام الضغوطات.

رابعًا: ثقة حماس بعدالة المقاومة وحقها المشروع، وعدم الخضوع لضغوطات الزمن وحسابات موازين القوى للتفريط بالحقوق، بل بناء الذات التي تعني المجتمع وأفراده لتحمل التضحيات والصبر على الشدائد، والتطلع لتغيير الواقع القائم، لأن موازين القوى ليست جامدة ونهائية لا يمكن تعديلها أو تغييرها، بل البحث عمّا يعوض الخلل القائم بالاستفادة من الطاقات الروحية والمعنوية المتوفرة في أبناء الأمة والمجتمعات.

خامسًا: إنتاج حماس لظاهرة العمليات الاستشهادية التي يتنافس على تنفيذها جيل الشباب ممن هم دون الثلاثين من العمر منافسة شديدة، والغريب أن يشارك في هذه المنافسة من تجاوز هذه السن ممن استقرت حياتهم الأسرية بشكل معقول، وكذا النساء والفتيات، والمدهش أن يفتخر الأهل بأفعال أبنائهم، وأن يتقبلوا ما يلحق بهم من خسائر، فقد يصيب البيت هدم، والأرض الزراعية تجريف، إضافة إلى الاعتقالات، باعتزاز وشموخ.

سادسًا: تمكن حماس من ضرب الجبهة الداخلية في إسرائيل بشكل قوي لأول مرة منذ عام 1948 وهي النقطة الأضعف في الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وهو ما لم تقم به الجيوش العربية أبدًا في حروبها، ما أوجع الاحتلال لا على مستوى الخسائر المادية والبشرية فحسب، بل على مستوى استقرار الدولة ومستقبلها من حيث الوجود، إضافة إلى إيقاف الهجرة القادمة، وإحداث هجرة مضادة هاربة.

سابعًا: ابتداع حماس لجيل يملك نية المقاومة وإرادتها، جيل ينظر للمحتل نظرة احتقار تخلو من الخوف والتردد، ومن ثم أخذ المقاومون منه صفة الهجوم والبحث عن الأهداف داخل المستوطنات وخارجها، ولم تعد دولة الاحتلال في نظرهم تلك القلعة المخيفة التي لا يمكن اختراق أسوارها، بحيث انحاز الصراع إلى الدائرة الفلسطينية الإسرائيلية على حساب الدائرة العربية والإسلامية بسبب مشاعر الخذلان التي أحس بها المقاومون، وهذا ما حاولت الاستراتيجية الصهيونية تمييعه والقفز عنه، وهو إخراج الفلسطيني من دائرة الصراع المباشر.

ثامنًا: إيجاد المقاومة على المستوى الداخلي التقاءً وتفاهمًا موحدًا بين فصائل المقاومة، فلم تشهد سنوات الانتفاضة نزاعات حادة مفسدة، بل إن الفعل الاجتماعي التكافلي أثبت حضورًا مهمًا تحدثت عنه المنظمات الأهلية.

تاسعًا: أحدثت حماس تصدعًا في المجتمع والخطاب الإسرائيليين، فبرغم انحياز الناخب الإسرائيلي نحو اليمين كردة فعل للأعمال الاستشهادية اعتقادًا منه أن عامل القوة المفرطة الذي يتبعه اليمين سيوفر الأمن ويعالج أعمال المقاومة، فإن كثيرين كتبوا وتحدثوا عن فشل المعالجة الأمنية العسكرية ونادوا بالمفاوضات وبحلول سياسية مقنعة، وأبدوا خشيتهم على الدولة ومكانتها، وأيدوا تقديم تنازلات مهمة، ومن ثم حملوا “شارون” مسؤولية ما يصيبهم من تفجيرات، وحين عزم على فك الارتباط منحوه دعمًا منقطع النظير.

عاشرًا: لم يقتصر أداء حماس المقاوِم في كونه سلاحًا ومدافعة ومقدرة على تكبيد الاحتلال قتلى وجرحى وأسرى وخسائر مالية واقتصادية فحسب، وإنما هي إضافة لما تقدم ثقافة، وجيل، وحالة اجتماعية جديدة، وأجندة مجتمع تبدلت فيها الأولويات، وفوق هذا رؤى واستراتيجيات تعالج الحاضر والمستقبل، وسياسة تستنهض عوامل القوة في الذات والمجتمع، وتضرب العدو في مناطق الضعف، وتسجل نقاطًا مهمة باتجاه التحرير وإزالة الاحتلال.

حادي عشر: نقلت حماس الفلسطينيين من المواجهات السلمية والمدنية إلى عمليات المقاومة العسكرية في حالة غير مسبوقة، أقل من حرب العصابات، وأكثر من المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات، هي حالة نابعة من الخصوصية الفلسطينية التي لا تملك القدرة والإمكانات على مقاومة الاحتلال عسكريًا، لكنها لا تدعه يشعر بالأمن والاستقرار بأي حال من الأحوال، وتكثيف الضغوط عليه ودفعه نحو مربع الهزيمة في النتيجة عبر خسارته لحالة الأمن، وهو بالتالي ما وجد ترجمته للانسحاب القسري من غزة.

ثاني عشر: لم تكن حماس على مستوى الفعل العسكري فعلًا ثابتًا جامدًا، بل تجاوزت ذلك لصناعة السلاح وتهريبه من خلال الأنفاق، وعمليات الاختراق الأمني والاستخباري والأنفاق المدمرة والعمليات الاستشهادية والبحرية واختراق المستوطنات وإبداعات عديدة يفرضها مسرح العمليات وتعقيدات البيئة، وقد حققت حماس في هذا نجاحات أقرّ بها قادة الجيش الإسرائيلي.

ثالث عشر: نجحت حماس بفرض عزلة دولية على الكيان الإسرائيلي، لا سيما من خلال الرأي العام العالمي، لأنه بسبب استمرار المواجهات والاغتيالات والاجتياحات وإجهاض جميع الفرص السياسية تدهورت سمعة دولة الاحتلال وفقًا لاستطلاعات الرأي التي أجريت منتصف الانتفاضة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وأظهرت أن الأوروبيين يعتبرون أن الاحتلال هو مصدر تهديد للاستقرار والسلام العالمي، ما أثار ردود فعل ساخطة في الكيان الإسرائيلي.

نقطة نظام

إن تقييم تجربة حماس في المقاومة المسلحة بأفعالها ونتائجها وتأثيراتها يأخذ أبعادًا أساسية:

البعد الأول: ينطلق من محددات علمية مجردة تقوم على الأرقام والإحصاءات تحكي خسائر العدو الإسرائيلي على مستوى القتلى والجرحى والاقتصاد، وتحكي ضحايا الفلسطينيين، وفي مجموعها تفيد أن خسائر العدو كبيرة، ولكن خسائر الفلسطينيين أكبر، وأن دولة الاحتلال تحتمل مقتضيات التعويض اللازمة من الجانب المادي، لكن الطرف الفلسطيني يتمتع بميزة أنه لأول مرة يؤلم الإسرائيلي، ويجبره على دفع ضريبة مهمة لاحتلاله، خاصة في الجانب البشري من قتلى وجرحى.

البعد الثاني: تقييم تجربة حماس في المقاومة خارج إطار الأرقام والإحصاءات دون إهمال لدلالة الأرقام، وهنا نجد انحيازًا في الخطاب لجانب سياسي أدبي في التقييم، يقبل الإحصاءات، ويراها ذات دلالة مشجعة على الاستمرار قياسًا بما كان من قبل، وإن كانت مؤلمة للفلسطينيين أيضًا.

لقد كان الفلسطينيون قبل انتفاضة الأقصى واستئناف حماس لمقاومتها المسلحة الوحيدين الدافعين لفاتورة الخسائر البشرية والمادية والحضارية والمعنوية، ومن ثم فإن تحقيق توازن ما في الخسائر البشرية بنسبة (1:3) شيء جيد، لكن الأهم في قراءة هذا الطرف ما يقع خارج الأرقام، ويسهم بفاعلية في رسم المستقبل.

البعد الثالث: مفاجأة حماس للاحتلال الإسرائيلي بمستوى العمليات التي نفذتها في قطاع غزة والضفة الغربية ونوعيتها، لدرجة دفعت الجيش الإسرائيلي مجددًا لاستخدام أساليب ثبت فشلها، ومن العوامل التي أثبتت قدرة حماس في المقاومة وكفاءتها ومهارتها:

– التخطيط الدقيق لتنفيذ عدد من العمليات النوعية.

– استهداف مواكب جنود وضباط الجيش؛ ما أسفر عن قتل وجرح عدد منهم.

– إمطار المستوطنات بالصواريخ والقذائف.

– حدوث مواجهات عسكرية مباشرة مع قوات النخبة في الجيش الإسرائيلي، والاشتباك المباشر مع القوات التي تتوغل وتجتاح المدن والقرى.

وبالتالي برهنت تلك العوامل أن:

– مقاومة حماس في غزة والضفة لا تزال قوية وقادرة على ردع الاحتلال.

– تتمتع مقاومة حماس بخاصية التجدد والتنوع، وتمتلك كثيرًا من الخبرات والمهارات.

– مقاومة حماس قادرة على ضرب الاحتلال في أماكن موجعة، واستهداف بنيته العسكرية، بينما يكون رد الاحتلال عبر استهداف المدنيين.

 

اعتراف بالهزيمة

وهنا نلقي نظرة على حجم الهزيمة التي اعترف بها جنرالات الجيش الإسرائيلي عقب الاندحار عن غزة، وتأكيدهم أن ما حدث يمثل تراجعًا إسرائيليًا حقيقيًا أمام حماس، ما شكّل بنظرهم تآكلًا لقوة الردع العسكرية، وبالتالي تجرأ الفلسطينيون على هذا الكيان الذي استطاع أن يوفر قوة ردع أمام الجيوش النظامية العربية طوال أكثر من نصف قرن من الزمن.

ومن هذه الاعترافات ما عبّر عنه رئيس هيئة الأركان ووزير الحرب الإسرائيلي السابق “موشيه يعلون” حين قال بعد عام من الاندحار عن غزة بأن “إسرائيل” لن تهنأ بالراحة، وأن النظرة الحقيقية لفكرة الانفصال لا تعني سوى أنه هروب تحت النار، وخضوعًا ومشجعًا لحماس.

كما برر المحامي “دوف فايسغلاس” كبير مستشاري شارون، اللجوء لخطة الاندحار والانفصال بأنها إنقاذ للإسرائيليين مما يسميه “العنف المجنون” الذي يحيط بغزة، والذي كان سيغرق المستوطنين والجنود الذين يمكثون داخلها في حمام من الدماء.

“يوسي بيلين” الذي تربطه علاقات حميمة مع المفاوضين الفلسطينيين منذ اتفاقية أوسلو، يؤكد أن الاندحار عن غزة سيقوي القوى الفلسطينية المتشددة التي لا تريد محادثات السلام، وبات الفلسطينيون على قناعة أن الانفصال عن غزة نبع من تقدير استراتيجي عميق لدى شارون بأنه خضوع للعمليات المسلحة.

ويضيف: لعب الاندحار لصالح حماس التي استعملته دليلًا على أنها فقط من تستطيع تحرير المناطق الفلسطينية، ومنحها هذا الاندحار امتيازًا عظيمًا، وأفضى إلى تعزيز قوة حماس، ونشوء استنتاج لدى كثير من الفلسطينيين بأن اليهود يفهمون القوة فقط، وأن استعمال القوة فقط ومزيدًا من القوة سيخرجهم من الضفة الغربية على الصورة نفسها التي خرجت عليها من غزة!

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − 7 =

زر الذهاب إلى الأعلى