أسر الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط”
“يد تبني ويد تقاوم”.. شعار رفعته حركة المقاومة الإسلامية “حماس” غداة مشاركتها في الانتخابات التشريعية عام 2006م، وما إن أضحت خيار الشعب وفازت بالأغلبية، حتى أثيرت التساؤلات والشكوك حول قدرة الحركة على ترجمة هذا الشعار واقعاً عملياً في ظل تعقيدات المشهد السياسي الفلسطيني.
لم يتأخر الوقت كثيراً حتى ترجمت الحركة شعارها، فعلى وقع مجزرة الاحتلال بحق عائلة غالية على شاطئ بحر غزة، وبعد خمسة أشهر من فوز حماس في الانتخابات، نفذت كتائب القسام وفصيلان مقاومان “عملية الوهم المتبدد” شرق مدينة رفح.
أدت العملية إلى قتْل جنديين وجرح اثنين آخرين وأسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، في عملية عسكرية نوعية في تاريخ العمل الفلسطيني المقاوم، جسدت أبهى صور رعاية مشروع المقاومة ومزاوجة حماس بين المقاومة والحكم.
تفاصيل العملية
فجر الخامس والعشرين من يونيو عام 2006م، تمكن مقاتلو كتائب الشهيد عز الدين القسام وألوية الناصر صلاح الدين وجيش الإسلام من تنفيذ عملية عسكرية ضد موقع إسرائيلي، عقب استهدافها مواقع الإسناد والحماية التابعة لجيش الاحتلال على الحدود الشرقية لمدينة رفح.
نجح المقاتلون في تنفيذ عملية إنزال خلف خطوط العدو عبر نفق أرضي لاستهداف أهداف عسكرية واستخبارية؛ وجرت مهاجمة مدرعة إسرائيلية ما أدى إلى قتْل طاقمها بالكامل، في الوقت الذي استُهدفت فيه دبابة أخرى فوقع من بداخلها بين قتيل وجريح.
انتهت العملية بأسر الجندي شاليط، في الوقت الذي استشهد فيه اثنان من منفذي العملية، هما الشهيد حامد الرنتيسي من رفح والشهيد محمد فروانة من خانيونس.
رداً على المجزرة
جاءت العملية رداً قوياً واستجابة سريعة لصرخات الطفلة الفلسطينية هدى غالية، التي فقدت عائلتها بمجزرة إسرائيلية على شاطئ بحر غزة في التاسع من يونيو عام 2006م، فيما مثلت كذلك إهداء خاصاً لكل أسير فلسطيني يقبع في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وشكلت عملية أسر شاليط تحولاً نوعياً من النواحي العسكرية والأمنية والميدانية في العمل الفلسطيني المقاوم، وأظهرت عقلية أمنية فلسطينية فريدة من نوعها، فعلى مدار خمس سنوات -هي مدة احتجاز شاليط- لم تتمكن دولة الاحتلال من الوصول إلى مكان احتجازه.
في مقابل هذا التطور للمقاومة، مُني الاحتلال الإسرائيلي بأذرعه وأدواته الاستخبارية كافة بالفشل الذريع في الوصول إلى أي معلومة أو طرف خيط حول مكان احتجاز الجندي، ما عكس حكمة ووعياً وقدرة عالية من المقاومة الفلسطينية.
وبهدف استعادة شاليط، شن الاحتلال حرباً شرسة على قطاع غزة في أواخر عام 2008 باءت بالفشل، ما منح المقاومة الفلسطينية نقطة قوة، فتوصلت إلى اتفاق مع الاحتلال للإفراج عن عشرين أسيرة فلسطينية مقابل شريط فيديو يظهر “شاليط” على قيد الحياة.
صفقة التبادل
وأمام فشل الحرب في استعادة شاليط، رضخ الاحتلال الإسرائيلي لإجراء مفاوضات مع المقاومة الفلسطينية، فخاضت المقاومة الفلسطينية مفاوضات غير مباشرة عبر وساطة مصرية، رسخت قدرة المفاوض الفلسطيني على الإصرار على مطالبه وانتزاع حقوقه.
وأوفت المقاومة بالتزامها بتحرير الأسرى من سجون الاحتلال، فكانت صفقة “وفاء الأحرار”، التي شكلت لوحة وطنية مشرقة شملت أسرى من كل القوى والفصائل الفلسطينية.
ففي 11 أكتوبر 2011م، أُعلن عن التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل للأسرى بعد مفاوضات مُضنية، وتمت عملية التبادل على مرحلتين.
أنجزت المرحلة الأولى من صفقة “وفاء الأحرار” في الثامن عشر من أكتوبر بالإفراج عن 450 أسيراً و27 أسيرة من سجون الاحتلال، مقابل إطلاق كتائب الشهيد القسام سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط.
في حين كانت المرحلة الثانية بتاريخ الثامن عشر من ديسمبر، وأُفرج من خلالها عن 550 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية.
وحدة الظل
وفي إشارة تحمل دلالة واضحة على اهتمام حركة حماس بقضية الأسرى والسعي الدؤوب لكسر قيدهم، أسست كتائب القسام في عام 2006م وحدة الظل وأوكلت إليها مهمة الاحتفاظ بالجندي جلعاد شاليط طيلة فترة احتجازه داخل قطاع غزة.
وفي الثالث من يناير/كانون الثاني 2016م نشرت القسام بقرار من القائد العام محمد الضيف مقطع فيديو كشفت فيه اللثام لأول مرة عن أخطر وحداتها السرية “وحدة الظل” وأشارت إلى أن مهمتها هي تأمين الأسرى “الإسرائيليين” الذين يقعون في يد الكتائب، وإخفاؤهم عن الاحتلال وعملائه.
وأظهر الفيديو أحد عناصر الوحدة وهو يفتح ملفا جديدا يحمل المعلومات الخاصة بالجندي الإسرائيلي شاؤول آرون، الذي أسرته كتائب القسام شرق حي التفاح أثناء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2014م.
وما زال الجندي شاؤول آرون ورفاقه في قبضة وحدة الظل في انتظار تحقيق الحرية لنحو ستة آلاف أسير فلسطيني.