معركة العصف المأكول
في السابع من يوليو/تموز عام 2014، كانت بداية معركة “العصف المأكول” التي واجهت المقاومة فيها عدوان الاحتلال الإسرائيلي الذي شنه على قطاع غزة تحت مسمى “عملية الجُرف الصامد”، وهو العدوان الثالث خلال ست سنوات، وكان الأعنف والأطول مدة؛ إذ استمر واحدًا وخمسين يومًا.
استخدم جيش الاحتلال قوته برًا وبحرًا وجوًا، ومارس أبشع جرائم القتل والتدمير ضد قرابة مليوني إنسان في قطاع غزة، وقتلت قواته 2147 فلسطينيًا، أكثر من 800 منهم من النساء والفتيات والأطفال، كما أصيب خلال العدوان أكثر من 10870 فلسطينيًا يُمثل الأطفال والنساء أكثر من نصفهم.
في المقابل، شهد أداء المقاومة تطورًا نوعيًا على جميع المستويات خلال العدوان، واستطاعت كتائب القسام الجناح العسكري لحماس تحقيق ضربات نوعية واستراتيجية، وإلحاق الضرر الكبير بدولة الاحتلال وجيشها، بحيث تمكنت من الوقوف ندًا شرسًا أمام آلة العدوان الإسرائيلية، وأفشلت أهدافه من العدوان.
أخفق الاحتلال في كسر شوكة غزة ومقاومتها، وهو ما ظهر جليًا في تقرير “مراقب الدولة” الصهيوني بشأن العدوان الذي صدر عام 2017، محملًا المستويات الأمنية والعسكرية في دولة الاحتلال المسؤولية عن هذا الإخفاق.
إرهاصات العدوان والبيئة المحيطة
لا يمكن قراءة العدوان الإسرائيلي عام 2014 دون الرجوع للظروف الميدانية والسياسية التي سادت الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال فترة ما قبل العدوان، إضافة إلى الظروف الإقليمية والتحولات في الدول العربية المجاورة، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:
1) عملية أسر المستوطنين في مدينة الخليل وقتلهم:
اعتُبرت هذه العملية الفتيل الذي أشعل شرارة العدوان، وأحد مسبباته الرئيسة، فقد أعلنت سلطات الاحتلال يوم 11/6/2014 فقدان ثلاثة مستوطنين من مستوطنة “غوش عتصيون” في جبل الخليل جنوب الضفة الغربية، ورجّحت أنها عملية أسر مُدبرة، لوقوعها بعد خمسين يومًا من الإضراب المستمر عن الطعام لثلاثمئة من الأسرى الإداريين في سجون الاحتلال.
استمر اختفاء المستوطنين ثلاثة أسابيع حتى تم العثور على جثثهم بتاريخ 30 يونيو/حزيران قرب بلدة حلحول شمال الخليل، وسارعت سلطات الاحتلال إلى تحميل حماس وقيادتها في غزة المسؤولية عن العملية.
بدأ الجيش الإسرائيلي عملية عسكرية شملت اقتحامات واعتقالات واسعة في الضفة الغربية، شملت إعادة اعتقال ستين أسيرًا محررًا في صفقة “وفاء الأحرار”، وإغلاق عدد من المؤسسات الخيرية العاملة بالضفة.
في المقابل، نفذ المستوطنون اعتداءات ضد المواطنين بمدن الضفة والقدس، أبرزها اختطاف الفتي محمد أبو خضير (17 عامًا) من مخيم شعفاط شمال القدس، وإحراقه حيًا يوم 2/7/2014، في مشهد استفز مشاعر الفلسطينيين، وأطلق شرارة الاحتجاجات والاشتباكات في المدينة المقدسة وأحيائها.
2) تفاقم الأوضاع الاقتصادية السيئة في غزة:
أسفر اتفاق المصالحة الفلسطينية في نسيان/ أبريل 2014 عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني، وكان يُنتظر منها استلام مهامها في قطاع غزة والضفة الغربية، وحل المشكلات الأساسية لسكان القطاع، والتخفيف من آثار الحصار المفروض منذ 2006.
لكن الاحتلال عارض تشكيل تلك الحكومة، ودعا المجتمع الدولي إلى عدم الاعتراف بها لأنها جاءت بالاتفاق مع حماس، في حين لم تفِ حكومة الوفاق بالتزاماتها تجاه غزة، فامتنعت عن صرف رواتب موظفي حكومة غزة، ولم يتعامل وزراؤها مع وكلاء الوزارات الموجودين بغزة، أو ممارسة مهامهم داخل مقار الوزارات، ما تسبب بحالة من الإرباك في الوزارات، وإهمال الحكومة تجاه التزاماتها في مجالات الصحة والتعليم والمالية.
كل ذلك ساهم في توتير الأوضاع في غزة، والدفع بها نحو المواجهة مع الاحتلال، بسبب تشديد الحصار الاقتصادي الخانق على القطاع، من خلال التحكم بحركة الأفراد والبضائع عبر المعابر والحواجز.
3) البيئة الإقليمية والدولية المعادية لحماس والمقاومة:
شنت وسائل الإعلام المصرية حملة ممنهجة لشيطنة حماس، واتهامها بالتدخل في الشأن الداخلي المصري، واتخذت السلطات المصرية إجراءات ضد غزة، أبرزها فرض الإغلاق المستمر على معبر رفح البري المتنفس الوحيد لسكان القطاع على العالم الخارجي.
نفذ الجيش المصري حملة أمنية استهدفت الأنفاق الحدودية مع غزة، رغم أنها شريان الحياة الاقتصادي لسكان القطاع، فيما يتحكم الاحتلال بباقي المعابر، وحظر دخول الكثير من البضائع والسلع الأساسية، ما ساهم في ازدياد الأوضاع الإنسانية في القطاع صعوبة وقسوة.
شجع التحول الكبير في السياسة المصرية تجاه غزة دولة الاحتلال إلى استحسان فكرة شن هجوم واسع على القطاع، وتوجيه ضربة عسكرية مؤلمة لحماس والمقاومة، استغلالاً للظرف الإقليمي المتمثل بفقدان الحركة للظهير العربي المساند لها بأي مواجهة مقبلة.
وفي أعقاب نشوب الثورات المضادة في العالم العربي، ظهرت حالة العداء المعلنة من قبل بعض الأنظمة العربية ضد حماس، فضلاً عن التقاء مصالحها مع الاحتلال الإسرائيلي في ضرورة ضرب الحركة؛ كونها أحد العوامل المؤثرة في رفع الروح المعنوية للشعوب العربية، ونموذجًا تحاول الشعوب تقليدها في أدائها الثوري، ومواجهة الظلم والاستبداد.
بعد كل تلك المعطيات، لم يصعب التنبؤ بقرب عدوان إسرائيلي واسع على قطاع غزة بدعم إقليمي ودولي، تسعى فيه دولة الاحتلال إلى استعادة قوة ردعها المفقودة أمام حالة الإحباط التي نتجت عن الاختراق الأمني الكبير المتمثل باختفاء مستوطنيها، وهدف الاحتلال إلى كسر إرادة حماس وإخراجها من المشهد السياسي.
تنبهت حماس لهذا الأمر، وعملت على الاستعداد التـام، ورفع الجهوزية إلى أعلى درجة ممكنة لمواجهة العدوان الإسرائيلي، واستخدام كل السبل لتحقيق الصمود، وعدم تمكين الأطراف كافة من كسر إرادة حماس والشعب الفلسطيني في غزة.
بداية العدوان
تصاعدت حدة التهديدات الإسرائيلية ضد قطاع غزة وحماس، واتهامها بالوقوف وراء تصعيد ما يشبه انتفاضة في القدس والضفة، وبدأ التصعيد الإسرائيلي ضد غزة بعدة استهدافات في أنحاء متفرقة من القطاع خلّفت شهداء وجرحى، أبرزها بتاريخ 7 يوليو حيث استشهد ستة من مقاتلي كتائب القسام في قصف استهداف أحد الأنفاق شرق رفح جنوب القطاع، وتدحرجت الأمور لتصل إلى العدوان الشامل الذي أسمته دولة الاحتلال (الجرف الصامد).
أشارت التقديرات الإسرائيلية أن حماس ليست جاهزة لأي مواجهة مفتوحة في ظل الوضع الإقليمي والفلسطيني، ما أغرى الاحتلال بالتصعيد، وإن لم يصل لمستوى إعلان حرب، وكان قرار حمـاس واضحًا بالرد الموضعي بمـا يتلاءم مع الميدان، وعدم الوصول للمواجهة المفتوحة، واتخاذ كامل التدابير الاحتياطية، فلم تكن حماس في وارد التصعيد، بل إن القرار الحركي كان دقيقاً ومحدداً بـ”الحفاظ على التهدئة”، والعمل بشكل حثيث على عدم الدخول في مواجهة مفتوحة في بيئة معادية وواقع مضطرب، ولحظة زمنية فارقة يقف فيها الإقليم على مفترق طرق.
التزمت حماس بالتوافق مع فصائل المقاومة الأخرى بهذه السياسات والمفاهيم، ولذلك دخلت المعركة دفاعًا عن أهالي قطاع غزة ومقاومتها.
أهــداف العــدوان
1- تحجيم الإمكانات التسليحية للمقاومة.
2- ترميم هيبة الردع الإسرائيلية، وتوجيه ضربة عسكرية شديدة لحماس؛ للخروج من المعركة بمظهر المنتصر.
3- تعزيز منظومة الضبط، والسيطرة السياسية والعسكرية الإسرائيلية.
4- تدمير البنية التحتية التصنيعية للمقاومة، والمواقع الحيوية وتدمير الأنفاق الاستراتيجية.
5- ضرب منظومة الصواريخ، وتحجيم المخزون الاستراتيجي، وإفشال الصواريخ طويلة المدى.
6- تجريد غزة من السلاح، وإنشاء الآليات التي من شأنها حرمان حماس والمقاومة من القدرة على إعادة بناء قواتها.
(ألبوم صور العدوان)
مجريات العدوان:
المرحلة الأولى: المرحلة الجوية:
استمرت هذه المرحلة من يوم الإثنين الموافق 7/7/2014م، حتى 17/7/2014م، وتصاعد العدوان سريعًا بدءًا من قصف نفق القسام شرق رفح، والذي أسفر عن استشهاد (6) مجاهدين، واستهداف (3) مجاهدين من القسام في غزة، مرورًا بمجزرة (آل كوارع) في خانيونس.
ما استدعى ردًا قويًا من المقاومة بتدرج قصف مستوطنات، ومدن غلاف غزة وصولًا إلى استهداف (تل أبيب، والقدس، والخضيرة).
ومن أبرز العمليات العسكرية التي نفذتها المقاومة خلال هذه المرحلة، عملية زيكيم البطولية والتي تسللت فيها وحدة من الكوماندوز البحري التابعة لكتائب القسام إلى موقع القاعدة العسكرية زيكيم على شاطئ عسقلان، عبر بحر غزة، مُنفذة مفاجأة مُزلزلة لدولة الاحتلال، خاصة أنها كانت بعد (24) ساعة من بدء العدوان، وأربكت عملية (زيكيم) حسابات جيش الاحتلال الذي لم يتوقع وقوع مثل هذا الاختراق من منطقة الساحل البحري.
وفي اليوم السابع للعدوان 13/07/2014م، نفذت سرية الإغارة في وحدة البحرية “الإسرائيلية” الخاصة (شيطت 13) محاولة التسلل عبر البحر في منطقة السودانية غرب شمال غزة، بهدف الوصول إلى منصات إطلاق صواريخ للمقاومة.
لكن كتائب القسام أحبطت عملية التسلل، عبر جهد استخباري، وتنفيذ دوريات الدفاع الساحلي الكامنة على طول شاطئ بحر غزة لعملية الخط الأحمر والتي تصدت فيها لوحدة شيطت 13.
أظهرت هذه المرحلة تفوقًا لدى كتائب القسام، من خلال مفاجآت القسام النوعية: “عملية زيكيم الاستشهادية، وقصف ديمونا ومدن جديدة لم تقصف في معركة حجارة السجيل، وتسيير طائرة أبابيل بدون طيار، والإعلان عن دخول أنواع جديدة من الصواريخ للخدمة لدى كتائب القسام، منها إطلاق صاروخ (R160) صوب حيفا، وإطلاق صاروخ (J80) المزود بتقنية تضليل القبة الحديدية، عملية الإنزال خلف خطوط العدو في موقع صوفا العسكري”.
المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار:
بتاريخ 14/07/2014م قدمت مصر مبادرتها إلى الإعلام والرأي العام، وجاء نصها كالآتي:
انطلاقًا من المسؤولية التاريخية لمصر، وإيمانًا منها بأهمية تحقيق السلام في المنطقة، وحرصًا على أرواح الأبرياء، وحقنًا للدماء، تدعو مصر كلًا من “إسرائيل”، والفصائل الفلسطينية إلى وقف فوري لإطلاق النار، نظرًا إلى أن تصعيد المواقف، والعنف، والعنف المضاد، وما سيسفر عنه من ضحايا، لن يكون في صالح أي من الطرفين. ومن هذا المنطلق يلتزم الطرفان خلال فترة وقف إطلاق النار بالآتي:
1- تقوم إسرائيل بوقف جميع الأعمال العدائية، على قطاع غزة برًا، وبحرًا، وجوًا، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عمليات اجتياح بري لقطاع غزة، أو استهداف المدنيين.
2- تقوم الفصائل الفلسطينية كافة في قطاع غزة بإيقاف جميع الأعمال العدائية،من قطاع غزة تجاه إسرائيل جوًا، وبحرًا، وبرًا، وتحت الأرض مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها، والهجمات على الحدود، أو استهداف المدنيين.
3- فتح المعابر، وتسهيل حركة عبور الأشخاص، والبضائع عبر المعابر الحدودية في ضوء استقرار الأوضاع الأمنية على الأرض.
4- أما باقي القضايا بما في ذلك موضوع الأمن سيتم بحثها مع الطرفين.
رفضت حركة حماس المبادرة وطلبت تعديلها، كما أعلنت كتائب القسام رفضها المبادرة المصرية معتبرة إياها مطلبًا “إسرائيليًا”، وأنها محض استسلام وركوع وخنوع للعدو، فضلًا عن استنكارها عدم استشارة فصائل المقاومة، التي علمت بالمبادرة عبر وسائل الإعلام، رغم أن المقاومة الفلسطينية هي: الخصم الوحيد، الذي يقابل “الطرف الإسرائيلي” في المعركة.
أسباب رفض المبادرة المصرية:
- طريقة طرح المبادرة: والتي رأتها فصائل المقاومة وعلى رأسها حماس أنها إقصائية لها، إذ لم تسبقها مشاورات كافية مع الفصائل، بينما تم التشاور فيها مع “إسرائيل” بوقت مناسب، وهي لغرض فرض الشروط على المقاومة.
- الآليات والضمانات: عدم اشتمال المبادرة المصرية على آلية واضحة تضمن تنفيذ الأهداف المتفق عليها كرفع الحصار وفتح المعابر بعد وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى إجبار “إسرائيل” على الالتزام بشروط تهدئة 2012م، والإفراج عن الأسرى المحررين في صفقة وفاء الأحرار الذين تم اعتقالهم عقب اختطاف ومقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل.
- تُحيل المبادرة كل المطالب الفلسطينية، عدا وقف إطلاق النار إلى مرحلة المفاوضات، التي تعقد بعد شهر وقد لا تعقد.
- تضع المبادرة المسؤولية كلها في يد السلطة، وكأنها هي الطرف الفلسطيني الوحيد، وتُلغي دور الفصائل المقاومة.
بعد شهر من العدوان طورت مصر مبادرتها، وقدمت الخارجية المصرية ورقة للوفد الفلسطيني الموحد تتضمن البنود التالية:
- تقوم “إسرائيل” بوقف جميع الأعمال العدائية على قطاع غزة برًا وجوًا، مع التأكيد على عدم تنفيذ أي عملية اجتياح بري لغزة، أو استهداف المدنيين.
- تقوم الفصائل الفلسطينية كافة في غزة بإيقاف جميع “العمليات العدائية” من القطاع تجاه “إسرائيل” برًا وبحرًا وجوًا، وبناء الأنفاق خارج حدود القطاع، مع التأكيد على إيقاف إطلاق الصواريخ بمختلف أنواعها.
- فتح المعابر بين “إسرائيل” وغزة، بما يحقق إنهاء الحصار، وحركة الأفراد، والبضائع، ومستلزمات إعادة الإعمار، وتبادل البضائع بين الضفة وغزة والعكس، طبقًا للضوابط التي يتم الاتفاق عليها بين السلطات “الإسرائيلية” والسلطة الفلسطينية.
- حرية الصيد في المياه الإقليمية الفلسطينية في غزة لمسافة (6) أميال بحرية، وتتم زيادتها تدريجيًا، وبما لا يقل عن (12) ميلًا بحريًا، وذلك بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية.
- قيام “السلطة الإسرائيلية” بمساعدة السلطة الفلسطينية على إصلاح البنية الأساسية التي تضررت في قطاع غزة، وتدبير مستلزمات الإغاثة الكريمة للنازحين، وتقديم الدعم الطبي اللازم للمصابين، وإخلاء الحالات التي تحتاج إلى علاج طبي مؤهل إلى خارج القطاع، وسرعة إدخال المساعدات الإنسانية ومواد الإغاثة إلى القطاع.
- قيام السلطة الفلسطينية بالتنسيق مع “السلطات الإسرائيلية”، والمنظمات الدولية بتدبير المواد الأساسية قصد إعمار القطاع، طبقًا لخطة زمنية محددة، بما يحقق سرعة عودة النازحين إلى منازلهم كأسبقية عاجلة.
- تناشد مصر المجتمع الدولي تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، والإسراع في تدبير الأموال اللازمة لإعادة إعمار غزة طبقًا لخطة زمنية محددة.
المرحلة الثانية: المرحلة البرية
بعد عملية موقع صوفا العسكري والتي نفذتها مجموعة من عناصر نخبة كتائب القسام، وتمكنت من نسف وتعطيل منظومة الاستخبارات الصهيونية في موقع صوفا، من خلال تنفيذ عملية إنزال خلف خطوط العدو والقضاء على الجنود داخل الموقع ثم العودة إلى قواعدهم بسلام، عندها استدعى جيش الاحتلال (8000) جندي من جنود الاحتياط.
أعلن جيش الاحتلال أن سيقضي على الأنفاق الهجومية التابعة للمقاومة من خلال تنفيذ عملية برية والتوغل لمسافات محدودة في قطاع غزة عبر محاور عدة، منها: المحور الرئيس: بيت حانون، وشرق غزة، وخانيونس، ومنها: المحور الثانوي كــبيت لاهيا، وجحر الديك، ورفح، وخلال العملية البرية ارتكب جيش الاحتلال عشرات المجازر بحق المدنيين في مختلف مدن قطاع غزة.
ومن أبرز الأحداث في هذه المرحلة بخلاف العمليات الدفاعية، وعمليات التصدي للقوات “الإسرائيلية” المهاجمة: عملية الإنزال التي نفذتها مجموعة من عناصر نخبة كتائب القسام في موقع أبو مطيبق العسكري شرق مخيم المغازي في اليوم الثالث عشر للعدوان بتاريخ 19/7/2014م.
إستراتيجية المقاومة وتكتيكاتها خلال العدوان
انتهجت المقاومة مسارات استراتيجية وتكتيكية خلال التصدي للعدوان، يمكن إجمالها في النقاط الآتية:
1- استراتيجية الأنفاق التي أدخلت في بُعدها الهجومي والدفاعي الصراع مرحلة جديدة، من خلال تحييد سلاح الدروع والمشاة واحتوائه، ونقل جبهة المعركة البرية من تحصينات وخطوط دفاعية فوق الأرض إلى شبكة أنفاق تكتيكية، واستراتيجية (دفاعية، وهجومية)، ما منح المقاومة سلاحًا استراتيجيًا، وقدرة على البقاء والمناورة والإبداع والتخفي والمبادرة والمباغتة والمرونة، وقللت من تأثير سلاحي الجو والمدرعات اللذين يمتلكهما الاحتلال في نتائج المعركة.
2- تهديد العمق الاستراتيجي والآمن لدولة الكيان بصواريخ مختلفة المدى، وتحقيق توزان الردع، والضغط المستمر بتهديد “مستوطنات غلاف غزة” حتى لحظة انتهاء العدوان.
3- تحقيق مفاجآت تكتيكية تمثلت بنقلات نوعية لطبيعة الصراع، فنفذت المقاومة عمليات خلف خطوط العدو، والإغارة البحرية، واستخدام العبوات، ومضادات الدروع من خلال هجمات إيذائية للعدو، وطائرات استطلاع هجومية، وقصف الحشود الإسرائيلية بالمدفعية والهاون.
4- نزع الثقة بقدرات الجيش الإسرائيلي والجندي الإسرائيلي وتدمير الروح القتالية.
5- تطوير صراع الأدمغة في العمليات النفسية، والإلكترونية في التأثير في الرأي العام المحلي والإسرائيلي والعربي والدولي.
يُقدر عدد عناصر كتائب القسام بعشرات الآلاف في قطاع غزة، وقد طورت من نفسها بما يشبه جيشًا نظاميًا من حيث التنظيم والهيكلة والتخصصات والتكتيكات؛ فاستخدمت تكتيكات حرب العصابات كمجموعات وتشكيلات صغيرة وعقد قتالية.
على مستوى الهيكلة، تكونت كتائب القسام من: ألوية، وكتائب، وسرايا، وفصائل، وأصبح لديها وحدات متخصصة، مثل: وحدة الكوماندوز (النخبة)، ووحدة المضاد للدروع (الدروع)، وحدة الهندسة، ووحدة الدفاع الجوي، ووحدة المدفعية، ووحدة القنص، ووحدة الاستشهاديين، ووحدة الإسناد، ووحدة الكمائن.
خمس عمليات إنزال خلف خطوط العدو وقتل جنوده من مسافة صفر نفذتها القسام خلال العصف المأكول.
النتائج العسكرية التي حققتها المقاومة خلال العدوان
– قصف المواقع العسكرية والمدنية بصواريخ قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى بزخم متوازن حتى نهاية العدوان على غزة.
– تنفيذ هجمات إيذائية قصد الاختراق والاستنزاف.
– قصف الحشود العسكرية المتوغلة والمحيطة بغزة بقذائف الهاون والصواريخ قصيرة المدى.
– تحقيق توازن الردع من خلال الهجمات التكتيكية التي شنتها المقاومة وأسفرت عن عشرات القتلى من جنود الاحتلال.
– حققت المقاومة تفوقًا نوعيًا في الروح القتالية، رغم الفارق في التسليح والتدريب القتالي.
– تفوقت المقاومة على جيش الاحتلال فيما يتعلق بـ(التفكير العسكري الإبداعي).
– نزوح “مستوطني غلاف غزة” وهجرتهم.
– التأثير المعنوي، ومخاطبة الوعي لجمهور دولة الاحتلال من خلال الاختراق التقني للقنوات الإسرائيلية ومواقع التواصل الاجتماعي، وبث الخوف وإضعاف المعنويات.
9 ملفات أوجعت المقاومة بها الاحتلال في العصف المأكول
استطاعت المقاومة تسديد ضربات موجعة للاحتلال الإسرائيلي، وألحقت به أضرارًا في شتى المستويات: الاقتصادية والعسكرية والنفسية والاجتماعية وكذلك الاستراتيجية.
1) الجانب الاقتصادي:
استطاعت المقاومة أن تلحق أضرارًا كبيرة باقتصاد دولة الاحتلال، منها: توقف الرحلات الجوية باتجاهها؛ لعدم قدرة الجيش الإسرائيلي في حماية أجوائه.
2) الهجرة الداخلية:
لعلها من المرات القلائل في تاريخ دولة الاحتلال يُصاب المجتمع الإسرائيلي بهذه الهجرة جراء تصدي المقاومة للعدوان، فقد تحدثت المعطيات الإسرائيلية عن إفراغ كبير في الجنوب من سكانه؛ ما تسبب في فوضى غير مسبوقة في أثناء خروج المستوطنين بفعل إطلاق الصواريخ، وسادت في الأيام الأولى من العدوان ازدحامات مرورية عند المخارج إلى مناطق الوسط والشمال؛ للهروب من الجنوب.
وذكرت استطلاعات الرأي أن نصف سكان جنوب الكيان الإسرائيلي باتوا يبحثون عن مناطق سكن بعيدة عن غزة، الهجرة من الجنوب، أو الخوف من العيش فيه بسبب الأنفاق، التي ما زالت أحد الأسلحة والملفات الأكثر إيلامًا للاحتلال، ولم ينجح بعد بتدميره، أو القضاء عليه.
3) فقدان العمق الآمن في الكيان الإسرائيلي:
ضربت المقاومة العمق الآمن الذي سعى الجيش الإسرائيلي إلى بنائه عبر استمرار إطلاق المقاومة للصواريخ، وعدم قدرة الجيش على إيجاد حل لذلك، ما مس بما يعرف بحيوية التحرك المريح للجيش على الأرض، في ظل عدم القدرة على تأمين ظهره ومجتمعه، لأن الضخ الصاروخي شمل المناطق والمدن “الإسرائيلية” كافة.
4) الخسائر العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي:
تباينت الخسائر العسكرية في صفوف الجيش الإسرائيلي من إعلان عسكري لآخر، وتقرير صحفي وآخر، لكن مجمل الخسائر أن نحو 1800 جندي إسرائيلي أصيبوا بجروح مباشرة في المعركة، ربعهم بحالة عجز، ومئات أصيبوا بأوضاع نفسية صعبة، أما القتلى فبلغ عددهم 76 جنديًا قتلوا في المعارك داخل قطاع غزة وعلى حدودها الشرقية.
5) فقدان الجيش الإسرائيلي بعض جنوده في أسر المقاومة:
أوقعت المقاومة جيش الاحتلال بأسرها جنوده في حرج التصرف، فكشفت تسجيلات أن الجيش يحاول قتل جنوده إن وقعوا في الأسر، ما جعلهم يبحثون عن خيارات النجاة عبر ظاهرة الانتحار أو الهرب، وأخيرًا الادعاء بالمرض.
6) خسارة الأمن والجيش ثقة المجتمع الإسرائيلي:
لعل خسارة الأمن والجيش ثقة “المجتمع الإسرائيلي” تعد من أهم المواضيع التي سعت المؤسسة الأمنية إلى إبعاده، لأن عدم تحقيق أهداف الحرب، والتدرج بالنزول شيئًا فشيئًا عنها؛ أدى في النهاية إلى فقدان الثقة في المؤسسة “الإسرائيلية” والأمن، وتراجع قوة الردع، وهو أكثر ما يقلق الكيان الإسرائيلي.
لقد أدى تخبط القيادة السياسية “الإسرائيلية”، وعدم قدرتها على ردع المقاومة في غزة إلى فقدان “الجمهور الإسرائيلي” الثقة بها، والأمن الشخصي، لأنها لم تحقق النصر المنشود في هذه المعركة ولا التي قبلها، وإن إعلان قيادة الجيش أن الأيام ستثبت مَن انتصر، يعني أننا لم نحقق النصر.
7) الفشل الإسرائيلي من إحراز أي تقدم بري:
استطاعت المقاومة أن تردع الاحتلال من التقدم بريًّا داخل قطاع غزة، ما تسبب في عدم قدرتها على التفكير في أي محاولة لاحتلال غزة، ومما زاد الطين بلة بالنسبة للإسرائيليين ارتفاع شعبية حماس والمقاومة وقيادتها، بعكس ما كانت خططت له دولة الاحتلال.
8) الحرب النفسية:
باتت الحرب النفسية المؤثر الأقوى على الأفراد والشعوب والأمم، والسلاح الأمضى في مواجهة الخصوم والأعداء، وكسر إرادتهم، في ظل التقدم التقني والإلكتروني الذي يمكن لحماس أن تنافس فيه أكثر بكثير مما تتنافس في أدوات الحرب التقليدية.
وصلت أجهزة أمن المقاومة لعشرات آلاف الأشخاص والجنود وضباط الجيش والأمن الإسرائيليين مباشرة عبر وسائل التقنية الحديثة، وأعدّت لهذا الأمر عدته من قبل، فحصلت على آلاف المداخل للوصول إليهم، واستعانت بمئات الجنود المجهولين من أنصار المقاومة خلف أجهزة الحواسيب، ليستخدموا أسلحتهم بنقل حقيقة ما يجري في الميدان من حالة الرعب والقتل التي تمزّق الجنود الإسرائيليين، والتي يحاول قادة الجيش إخفاءها عن أمهات الجنود وآبائهم وذويهم.
ولعب الإعلام الأمني للمقاومة دورًا مهمًا في الحرب النفسية، حيث نقل كثيرًا من الوقائع والأحداث الميدانية، وتفاصيل العمليات النوعية، مثل: زيكيم البحرية، ناحل عوز شرق غزة، ليشاهدها الإسرائيليون بعد أن أخفاها عنهم قادتهم.
فضلًا عن البيانات التي نقلت أخبار أسر الجنود الإسرائيليين، إضافة إلى تماسك الجبهة الفلسطينية، ووقوفها خلف المقاومة، واستعدادها للتضحية حتى النهاية، فأثبت إعلام المقاومة صدق رواية حماس وكذب رواية الجيش الإسرائيلي؛ ما كان له أثر كبير في اهتزاز الثقة به وبقادته، ووصول الشارع الإسرائيلي وقادة الجيش والمستوى السياسي لقناعة تامة أنه لا يمكن الانتصار على حماس أو كسر إرادتها وإرادة الشعب الفلسطيني.
9) الفشل الأمني والاستخباري لأجهزة أمن الاحتلال في مواجهة العمليات المبادرة للمقاومة:
تمكنت كتائب القسام من تنفيذ عمليات عسكرية نوعية، مثل: عملية (زيكيم) البحرية شمال القطاع، وعملية (ناحل عوز) شرق مدينة غزة، وكان لتلك العمليات أثر كبير في إضعاف معنويات الجيش الإسرائيلي وإحراج قيادته، ورفع معنويات الفلسطينيين، وما كان لتلك العمليات أن تنجح لولا الجهود الأمنية التي بُذلت لإخفاء خططها وإجراءاتها، فضلاً عن سرية الإجراءات التي أسهمت في كشف حقيقتها وفضح الجيش الإسرائيلي بعد أن تم الإعلان عن تلك العمليات، وبث تسجيلات مصورة لبعض أحداثها عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية.
كل ذلك أثار أسئلة كبيرة عن قدرات حماس في مجال جمع المعلومات السرية وتوثيق العمليات، وما زالت الإجابة عنها حبيسة الصناديق السوداء، ووصلت قدرات المقاومة على حفظ الأسرار والمعلومات إلى ذروتها عندما أعلنت نيتها إطلاق صواريخ إلى تل أبيب ومطار بن غوريون، وحددت ساعة الإطلاق بدقة، بحيث انتشرت طائرات الاحتلال في سماء قطاع غزة بما تمتلكه من تقنيات عالية وأجهزة تصوير وتنصت واستشعار عن بعد، لكنها لم تتمكّن من تحديد منطقة الإطلاق قبل تنفيذها؛ ما زاد من إحراج الجيش الإسرائيلي وقيادته، ورفع معنويات الفلسطينيين وزاد من ثقتهم في المقاومة ورجالها.
المراجع:
– أرشيف حركة حماس.
– موقع كتائب القسام.
– كتاب، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2014، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات.
– استراتيجية كتائب القسام القتالية حرب العصف المأكول 2014، وسام تيسير جودة.