الميلاد والنشأة:
ولد الشيخ المجاهد أحمد إسماعيل حسن ياسين “أبو محمد” في فلسطين، بقرية الجورة قضاء مدينة عسقلان في يونيو عام 1929م، ونشأ في أسرة متدينة ميسورة الحال تعمل في الفلاحة والصيد، تُوفي والده وهو لم يتجاوز الخمس سنوات من عمره.
تعرض الشيخ لحادثة أليمة وهو في السادسة عشرة من عمره؛ أدت إلى شلله الجسدي، حيث كان يمارس رياضة الجمباز على شاطئ بحر غزة مع أقرانه في منتصف يوليو من عام 1952م عندما سقط على رقبته التي كُسر منها فقرات من العمود الفقري، ليبقى ياسين يصارع هذا الشلل حتى استشهاده.
الدراسة والعمل:
بدأ ياسين حياته الدراسية في قرية الجورة فدرس حتى الصف الرابع الابتدائي، ثم انقطع عن الدراسة ثلاث سنوات متتالية؛ وذلك بسبب الفقر المدقع الذي طال أسرته بعد الهجرة؛ ما دفعه إلى العمل ليساهم في إعالة أسرته مع إخوته الكبار.
أكمل بعدها دراسته الابتدائية بمدرسة الإمام الشافعي بغزة، والإعدادية بمدرسة الرمال التي تعرف اليوم بمدرسة الكرمل، ثم الثانوية بمدرسة فلسطين التي حصل منها على شهادة الثانوية العامة في يونيو عام 1958م.
عُين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية في المدراس الحكومية في الرابع من أكتوبر في العام الذي حصل فيه على شهادة الثانوية العامة بعد نجاحه في الاختبار الذي عُقد لأكثر من ألف وخمسمائة متقدم لوظيفة التدريس، وبعد أن رفض مستشار الحاكم محمود شهاب تعيينه بسبب ضعفه الجسدي أصرَّ الحاكم على تعيينه معللاً ذلك بأنَّه ملك عزيمةً قويةً من أجل إتمام دراسته أفلا يستحق أن يُعين مدرسًا.
درس ياسين الثانوية العامة مرة أخرى عام 1964م؛ ليلتحق بجامعة عين شمس بقسم اللغة الإنجليزية في مصر، ولكنَّه لم يُمضِ بها سوى سنة واحدة، وذلك بسبب منعه من دخول الأراضي المصرية بحجة نشاطه الإسلامي الذي اعتقلته السلطات المصرية على إثره في خضم الاعتقالات التي تعرض لها الإخوان المسلمون عام 1965م.
حياته الأسرية:
تزوج الشيخ أحمد ياسين عام 1961م، أنجب ولدين ولكنهما تُوفيا سريعًا، ثم منَّ الله عليه بثلاثة أبناء وثماني بنات.
سكن ياسين مع عائلته بمخيم الشاطئ بمدينة غزة بعد تنقلات عدة بين غزة والوسطى، ليستقر به المقام بمنطقة الصبرة بالقرب من مسجد المجمع الإسلامي بغزة حتى استشهاده.
سماته:
تميز الشيخ ياسين بالعديد من السمات التي كانت تلازمه طيلة حياته رغم اختلاف الظروف التي كان يحياها داخل المعتقلات الصهيونية وخارجها، أبرزها:
• مكارم الأخلاق، أهمها: سعة الصدر في حسن استقباله للناس والسعي إلى قضاء حوائجهم وحل مشكلاتهم، والزهد في الدنيا رغم عروض الدنيا التي قُدمت له لتحسين بناء منزله البسيط، وروح الدعابة، والإنفاق في سبيل الله رغم دخله المحدود.
• الإرادة والعزيمة القوية التي تمثلت في إصراره على إكمال الدراسة ومقاومة المحتل والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، والعيش من أجل الآخرين رغم الأمراض الكثيرة التي حلت به وعلى رأسها الشلل الرباعي.
• الحكمة في إدارة التنظيم الإسلامي وتفويت الفرص على أعدائه من أجل القضية الفلسطينية التي تستلزم الوحدة الوطنية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
• حدة البصيرة في قراءة مجريات الأمور التي تخص القضية الفلسطينية على اختلاف مستوياتها، والتعامل معها بطريقة متوازنة مكنته من تحقيق نجاحات كثيرة لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
• صلابة الموقف من أجل الفوز برضا الله سبحانه وتعالى من خلال الدعوة إلى منهجه القويم، وعدم التنازل عن شبرٍ واحد من تراب فلسطين العزيزة، ومحاربة الفساد والمفسدين في الأرض مهما كانت النتائج والعواقب المترتبة على ذلك.
ثقافته:
لقد برزت ثقافة الشيخ أحمد ياسين في العديد من المجالات العلمية، أهمها:
• الثقافة الإسلامية: أنهى حفظ القرآن الكريم عام 1990م داخل سجون الاحتلال، واطلع على كثير من كتب التفاسير والعقيدة الإسلامية والأحاديث النبوية والفقه وأصوله، بالإضافة إلى العديد من الكتب الدعوية الفكرية والتربوية.
• الثقافة اللغوية: تَمكنَ من اللغة العربية التي هي أساس الخطابة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، فعمل مدرسًا لها، فضلًا عن دروس التقوية التي كان يعطيها بالمجان بعد الدوام المدرسي.
• الثقافة التاريخية: اهتم بقراءة كتب التاريخ من مصادرها الأصلية لما لها من أهمية كبيرة على حاضر الشعوب ومستقبلهم.
• الثقافة التنظيمية: لقد برع في تنظيم تكتلات إسلامية، وتأسيس مؤسسات تربوية إرشادية، وتجهيز مجموعات أمنية وعسكرية لمقاومة الاحتلال الصهيوني، وكيفية التعامل مع المنظمات لتحقيق نجاحات في القضية الفلسطينية.
محطات مهمة في حياته:
لقد نذر الشيخ ياسين نفسه من أجل دينه ووطنه، فكانت حياته كلها مواقف ومحطات مهمة، أبرزها:
• اعتقل لمدة شهر على يد السلطات المصرية في ديسمبر عام 1965م بتهمة نشاطه الإسلامي وحيازته كتاب خلق المسلم.
• اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني عام 1984م بتهمة حيازة السلاح، وحكم عليه بالسجن 13 سنة، لم يُمضِ منها سوى أحد عشر شهرًا، حيث أُفرج عنه ضمن صفقة تبادل للأسرى جرت بين الكيان والجبهة الشعبية لتحري فلسطين- القيادة العامة في 20/5/1985م.
• أسس مع إخوانه حركة المقاومة الإسلامية حماس، وأعلن عن انطلاقتها في 14 ديسمبر عام 1987م بهدف مقاومة الاحتلال الصهيوني، وتحرير المسجد الأقصى المبارك.
• اعتقل في الثامن عشر من مايو عام 1989م ضمن حملة اعتقالات واسعة لقيادات حركة حماس بسبب تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الصهيوني.
• حُكمَ عليه بالسجن مدى الحياة وخمسة عشر عامًا بتهمة تأسيس الجناح العسكري لحماس المسؤول عن اختطاف وقتل جنود صهاينة.
• أُفرج عنه في الأول من أكتوبر عام 1997م من خلال صفقة عُقدت بين العاهل الأردني الملك حسين والكيان الصهيوني مقابل تسليم عميلين من الموساد الإسرائيلي فشلا في محاولة اغتيال خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس.
• فرضت السلطة الفلسطينية عليه الإقامة الجبرية مرتين بتحريضٍ من سلطات الاحتلال بسبب مسؤوليته عن العمليات المقاومة ضد إسرائيل، فكانت الأولى في ديسمبر عام 2001م، والثانية في يونيو عام 2002م.
• نجا من محاولتي اغتيال من قبل الاحتلال الصهيوني، الأولى كانت في شهر رمضان عام 2002م بمسجد الرحمة في منطقة الصبرة، والثانية في 6/9/2003م بشقة سكنية في وسط مدينة غزة.
أهم إنجازاته:
المشاركة في تأسيس جمعية المجمع الإسلامي عام 1979م بغزة بهدف إسلامي ثقافي اجتماعي رياضي.
• المشاركة في تأسيس الجمعية الإسلامية عام 1976م بغزة بهدف نشر الثقافة الإسلامية في المجتمع الفلسطيني بالوسائل المتاحة كافة.
• المشاركة في تأسيس الجامعة الإسلامية عام 1978م بهدف تعزيز الانضباط الإسلامي بين طلبة الجامعة.
• شارك في تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس عام 1987م، وكوّن مجموعات أمنية وعسكرية أشرف على عملها كانت تعرف باسم “المجاهدون الفلسطينيون”، وسرعان ما تحولت إلى كتائب الشهيد عز الدين القسام.
• شارك في تأسيس مدارس دار الأرقم عام 2000م بهدف تخريج جيل قرآني فريد.
• أسس لجان الإصلاح بقطاع غزة بعد خروجه من السجن عام 1997م بهدف فض النزاعات بين الناس، وتعزيز روح الحب والمودة بينهم من أجل الحفاظ على قوة الجبهة الداخلية في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
جهاده:
بايع الشيخ ياسين جماعة الإخوان المسلمين عام 1954م على يد الشيخ شعبان البغدادي، وذلك بعد تأثره بحكيم يدعى صابر أبو الخير في أثناء علاجه عقب الحادثة التي أدت إلى شلله، حيث كان يوجه المرضى بأسلوبٍ جميل للمحافظة على الصلاة والتضرع إلى الله، فكان لذلك وقعٌ كبيرٌ في نفس ياسين دفعه إلى الانخراط في النشاطات الإسلامية من خلال المسجد والمدرسة في المرحلة الإعدادية؛ ما جعله يلتحق بالحركة الإسلامية، ومن ثم يرتقي لرتبة نقيب في الجماعة عام 1957م، حيث كان مسؤوله الأستاذ إسماعيل الخالدي.
استمر الشيخ وزملاؤه في العمل الدعوي والجهادي رغم تعرضه للكثير من المضايقات، واعتقاله من قبل السلطات المصرية عام 1965م بتهمة نشاطه الإسلامي البارز وحيازته كتبًا إسلامية فكرية حتى ما بعد منتصف الستينيات، حيث شهدت المنطقة العربية هزيمة عام 1967م واحتلال قطاع غزة بالكامل، فكان لذلك ألمٌ كبير بين أوساط الشعب الفلسطيني، ما دفع الشيخ إلى العمل الإسلامي بمواجهة الاحتلال من خلال التعبئة والتنظيم لتكوين نواة صلبة تستطيع مواجهة العدو عسكريًا وأمنيًا.
من أقواله:
• إنَّ دولة الاحتلال بائدة إن شاء الله في الربع الأول من القرن القادم وبالتحديد في 2027م، هذا ما أستنبطُه من القرآن الكريم.
• رغم مرارة السجن على الصعد كافة، إلا أنَّ الإنسان المؤمن يجد في السجن متعة كبيرة، فهو يخلو مع الله سبحانه وتعالى يناجيه ويتعبده، إنَّ أعلى معنويات حياتي كانت داخل السجن، حيث أكملتُ حفظ القرآن الكريم، واطلعت على كثير من كتب التفسير والحديث والفقه وأصوله، وكنت أقرأ أربعة أجزاءٍ في اليوم الواحد فقط في صلاة السنن.
• أملي أن يرضى الله عني، ورضاه لا يكتسب إلا بطاعته، وطاعة الله تتمثل في الجهاد من أجل إعلاء كلمته، ومن أجل تطهير أرض الله من الفساد الذي يقيمه أعداء الله في الأرض، فإذا ما حققت الهدف الأول وهو تطهير الأرض الإسلامية من الاغتصاب وقام عليها النظام الإسلامي فهذه هي أمنيتي التي أسعى إليها وأرجو الله أن ألقاه عليها، فإذا تحققت فذلك فضله، وإن مت قبل أن تتحقق فقد بدأت الطريق وخطوت خطوات، والله غالب على أمره ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.
استشهاده
استشهد الشيخ أحمد إسماعيل ياسين فجر الإثنين الموافق الثاني والعشرين من مارس عام 2004 وسبعة آخرين، بينهم مؤمن نجل الدكتور إبراهيم اليازوري أحد مؤسسي حماس.