أبو مرزوق: حماس اكتسبت “قوة ناعمة” عربيًّا وإسلاميًّا وتتموضع على رأس مشروع المقاومة
الجزائر صمام أمان للقضية الفلسطينية ومعنيون بتطوير علاقة إيجابية مع السعودية
أكد نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية حماس في الخارج، د. موسى أبو مرزوق، أنّ حركته بعد 35 عامًا من إعلان تأسيسها تتموضع على رأس مشروع المقاومة الفلسطينية، وتتصدى للمشروع الإسرائيلي، وهي تُمثّل صورة المقاتل الفلسطيني الثابت على مبادئ قضيته.
وقال أبو مرزوق، الذي يشغل أيضًا رئيس مكتب العلاقات الدولية في حماس، في حوار خاص مع صحيفة “فلسطين”: إنّ “هذه الصورة يُجمع عليها أغلبية الشعب باختلاف انتماءاتهم الفكرية والسياسية، ما يعني أنّ الحركة مُتجذّرة في الشعب الفلسطيني وتُمثّل له الدرع والسيف”.
وأكد أنّ حماس تدرك أهمية أن تتموضع إقليميًّا ودوليًّا، على نحو يُشكّل حماية للحركة، وتحقيق دعم حيوي للمقاومة، ولهذا ركزت الحركة منذ التأسيس على علاقات الحركة الخارجية بالمستويين الشعبي والرسمي، واكتسبت خلال هذه الفترة قوة ناعمة في أوساط العالم العربي والإسلامي بالغة التأثير، وهذا نتيجة عمل مستمر ودؤوب في أوساط هذه الشعوب.
وشدّد على أنّ نسج علاقات إقليمية ودولية أصبح ضرورة لا بد منها، مؤكدًا أنّ الحركة حققت جملة من الاختراقات في هذا المجال، واستطاعت أن تنسج علاقات وِفق الممكن والمتاح، وأن تبني علاقات سياسية إقليمية وكذلك دولية، يظهر منها جزء ويبقى جزء آخر بعيدًا عن الإعلام.
نجاحات في كسر العزلة
وعن محاولات حماس الهادفة إلى كسر أيّ عزلة سياسية تُفرض عليها في الإقليم، وإعادة العلاقة مع السعودية، ومستوى هذه العلاقة مع تركيا، قال: “نحن مستمرون في العمل على كسر العزلة السياسية في بعض دول الإقليم، والتقليل من آثار محاولات عزل الحركة التي تتعرض لها من دول إقليمية بضغط أمريكي وإسرائيلي”.
وأكد أنّ حماس حقّقت نجاحات في هذا الصعيد، ومن يدرك حجم المخططات التي تتعرض لها الحركة، والموارد التي تُنفق في سبيل ذلك يدرك مدى خطورة هذه المخططات.
وذكر أبو مرزوق أنّ لدى حماس سياسات في إدارة علاقاتها مع الآخرين وفي إدارة خلافاتها معهم وتستند إلى الانفتاح في العلاقات.
ووصف العلاقة مع تركيا بالجيدة، ورحّب بأيّ تطوير في العلاقة مع السعودية، مردفًا: “الشعب السعودي شقيق، والدولة السعودية مهمة، والحركة معنية بتطوير علاقة إيجابية معها”.
العلاقة مع الجزائر
وبشأن شكل العلاقة بين حماس والجزائر، حيث فتحت الأولى مكتبًا، أخذ طابعًا تمثيليًّا للحركة فضلًا عن توقيع “إعلان الجزائر” منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وما سبقه من استضافة رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، أشار أبو مرزوق إلى أنّ العلاقة بين الحركة والجزائر تسبق عام 2018، مؤكدًا أنّ الجزائر بالنسبة لحماس أكثر من مجرد بلد عربي، عادًّا إياها جزءًا أصيلًا من نضال الشعب الفلسطيني وفي معركته ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقال: “يسعدنا اتخاذ الجزائر خطوات أكبر للانخراط في الملف الفلسطيني، ونحن نُشجّع ذلك ونُرحّب به، والجزائر القوية هي قوة للشعب الفلسطيني ولجميع شعوب ودول المنطقة”، مُبينًا أنّ المكتب في الجزائر طابع تمثيلي للحركة، أما المكتب الرسمي فهو سفارة فلسطين في الجزائر، وهي التي يجب أن تُمثّل كلّ الفلسطينيين، ونحن لا نُنازعها التمثيل، فمكتبنا يُمثّلنا.
وعدّ أنّ الجزائر كانت وما زالت صمام أمان للقضية الفلسطينية بتميُّز الموقف الصادق لشعبها الشقيق، وللموقف الرسمي الجزائري الداعم والمناصر للقضية الفلسطينية صدقًا لا قولًا فقط، معربًا عن أمله أن تستعيد الجزائر المكانة الإقليمية التي تليق بها وبحجمها، وهذا فيه خدمة للشعب الجزائري والفلسطيني وعموم شعوب المنطقة، فالجزائر القوية قوّة للمنطقة العربية.
وشدّد نائب رئيس حماس بالخارج على ضرورة تنفيذ وتطبيق الاتفاقية الموقعة من الفصائل الفلسطينية في الجزائر، مؤكدًا أنّ ذلك يُمثّل فرصة حقيقية لشعبنا ولقضيتنا، ولا سيما مع قدوم اليمين الصهيوني المتطرف، وإرهاصات قدوم الجمهوريين في أمريكا.
الاتصال مع أمريكا
وردًّا على سؤال “فلسطين” عن تردد بعض الأخبار بوجود اتصالات “غير معلنة” بين الإدارة الأمريكية الحالية برئاسة جو بايدن، والحركة، أكد أنّ حركة حماس منفتحة في علاقاتها مع الجميع إلا مع الاحتلال الإسرائيلي.
وكشف: “وصل إلينا من الولايات المتحدة، وتحديدًا من جاريد كوشنير، عدّة مرات طلبٌ للقاء قيادة الحركة والتفاهم معهم، ورفضنا ذلك، ليس لأنّ العلاقة من حيث المبدأ مرفوضة، وإنما من حيث التوقيت، فقد كان كوشنير وفريقه يعملون على مشروع صفقة القرن، وأيّ لقاء معه سيكون له انعكاس سيئ على وحدتنا الوطنية، وسيُوظّف ضد جزء من شعبنا، لذا نحن رفضنا هذا اللقاء”.
وأوضح أنّ حماس لا تمانع الاتصال مع الإدارة الأمريكية، وفي الظروف الطبيعية لا ترفض تلك الاتصالات.
وعن تعرض حماس لملاحقة مستمرة من الولايات المتحدة، قال أبو مرزوق: إنّ “من يتابع ملاحقة الولايات المتحدة الأمريكية للحركة يظنُّ أنّ حماس هي العدو الأول لهذه الدولة، على الرغم من أنّ الحركة تلتزم في معركتها حدود فلسطين، ولم تنقل المعركة إلى خارجها، ولم تُحوّل الأراضي الأمريكية إلى ساحة لتصفية الحسابات مع الاحتلال الإسرائيلي وقادته أو شركاته أو حتى المنخرطين في مصالح مع الكيان من غير الإسرائيليين”.
ولفت نائب رئيس حماس بالخارج إلى أنّ السفارات الأمريكية تسخِّر مواردها لملاحقة أعمال الحركة في البلدان، والولايات المتحدة تقدم المعونات العسكرية والأمنية والمالية للاحتلال لأجل استمراره”، مردفًا: “في كل الأحوال هذه الأموال والجهود ستكون حسرة، ثم يُغلب الاحتلال بعون الله”.
ومن صور الملاحقة، بحسب أبو مرزوق، وضع حماس ضمن قائمة ما يسمى “الإرهاب”، ومنع المصالحة الفلسطينية، ودعم الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير عادي، والضغط على الدول من أجل عزل الحركة وعدم التعامل معها، وفي الوقت نفسه إرسال الرسائل والوفود للقاء الحركة والتحدث معها، وهذا “كافٍ منهم وشهادة على أنَّ الحركة هي الفاعل الأهم في الإقليم”.
الموقف الأوروبي
ولدى سؤاله إن كان الموقف الأوروبي تجاه الحركة قد تغير، ولا سيما بعد وضع الحركة في لائحة ما يسمى “الإرهاب”، ذكر أنّ حماس تهتم بمواقف الدول بقدر تأثيرها في القضية الفلسطينية، مُنبهًا إلى أنّ الدول الأوروبية أقل تأثيرًا اليوم من ذي قبل فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهم بوضعهم الحركة في قوائم ما يسمى “الإرهاب” يضرون بأنفسهم بالدرجة الأولى.
ولفت إلى أنّ حماس ترتبط باتصالات مع عدد من الدول الأوروبية، منها ما هو مُعلن، ومنها ما هو بعيد عن الأضواء، إلا أنّ التواصل مستمر، مؤكدًا أنّ الأوروبيين وضعوا على أنفسهم قيودًا في التواصل مع الحركة.
وعدّ أنّ ذلك لا يخدمهم؛ لأنّ حركة حماس هي الفاعل الأول في الساحة الفلسطينية، وقطع علاقتهم بحماس يعني قطع صلتهم بشريحة واسعة من الشعب الفلسطيني، مُتممًا: “نعلم أنّ هناك حديثًا داخليًّا مستمرًا لديهم يلومون فيه أنفسهم على اتخاذ سياسة قطع الاتصال المُعلن بالحركة لأنّ هذا غيّب جملة من المصالح لهم”.
حماس طرقت الأبواب
وبشأن تفاعل الأوروبيين والأمريكان مع قضية الحصار وتداعيات الحصار، أوضح أنّ حماس طرقت أبواب البلدان المعنية والمؤسسات الدولية والأطراف الفاعلة، ووضعتهم في صورة الانتهاكات التي تقع على شعبنا الفلسطيني، والحصار غير الإنساني وغير القانوني المفروض على قطاع غزة، وتحويله إلى أكبر سجن في العالم منذ أكثر من 16 عامًا، وتأثير هذا الحصار في الإنسان الفلسطيني، وفي القطاعات الاقتصادية.
وقال أبو مرزوق، إنّ لتلك الدول مؤسسات وجهات ترسل لها تقارير دقيقة كذلك، مبينًا، أنّ مشكلتها لا تكمن في إدراك مدى خطورة الأوضاع وإنما في إرادتها السياسية التي تدعم مثل هذه الخطوات.
واتهم كل دولة قادرة على رفع الحصار أو رفع الغطاء السياسي عنه ولم تفعل شريكة فيه، وشريكة في عقاب الشعب الفلسطيني على اختيار خيار المقاومة.
وذكر أنّ الحصار سلاح أمريكا تستخدمه لمصلحتها القومية، فقد حاصرت إيران وكوبا وروسيا والعراق وفنزويلا وهي تخالف كلّ القوانين الدولية بذلك، ولكنها بتفرُّدها على العالم تتصرف بشكل إمبريالي استعماري.
وأكد أنّ حماس والقوى الحرة والأمة لا تقف عاجزة أمام هذا الحصار الظالم، ولكن كما كانت الموجة الأولى في مواجهة الحصار عام 2007 حتى 2014، ثم موجة كسر الحصار بمسيرات العودة وصولًا إلى برنامج “فلسطينيي الخارج لكسر الحصار”، الذي سينطلق مع بداية العام المقبل، وسيعالج آثار الحصار الظالم؛ ليشعر الفلسطيني في غزة أنه ليس وحده، وأنَّ الحصار ليس قدره.
وبشأن ما نتج عن زيارة وفد حماس الأخيرة لروسيا ووصفت بـ “التاريخية”، أشار أبو مرزوق إلى أنّ علاقة الحركة مع جمهورية روسيا الاتحادية ممتدة منذ سنوات، والزيارات الأخيرة تأتي في سياق علاقة ثنائية قائمة، والحركة تدرك أهمية روسيا بصفتها دولة كُبرى فاعلة في الصعيد الدولي، إضافة إلى اهتمام الروس بالملف الفلسطيني، وتحديدًا إنهاء الخلاف الفلسطيني – الفلسطيني.
وأكد أنّ الصدام الروسي الغربي له تأثيرات في القضية الفلسطينية، وهو ما يدفع حماس إلى قراءة هذه التأثيرات والتغيُّرات، والتعامل وِفق ما تتطلبه المصلحة الفلسطينية.