مقابلات صحفية

موسى أبو مرزوق لـ”العربي الجديد”: المشهد الدولي بمدييه المتوسط والبعيد لمصلحة فلسطين

وسط موجة تصعيد كبيرة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، ضد مدن ومخيمات الضفة الغربية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً الاقتحامات اليومية وعمليات الاعتقال، أكان لمخيم جنين أمس الأربعاء وقبله مخيم نور شمس شرقي مدينة طولكرم الثلاثاء، وبالتوازي مع التصعيد ضد الأسرى في سجون الاحتلال، يتحدث عضو المكتب السياسي لحركة “حماس”، موسى أبو مرزوق، في مقابلة مع “العربي الجديد”، عن هذه التطورات، والوساطات العربية والدولية لمنع التصعيد، إضافة إلى مسار التطبيع الذي يسعى الاحتلال لتوسيعه في المنطقة.


بداية بماذا يوصف الوضع السياسي الحالي بين المقاومة والاحتلال، لا سيما في ظل العلاقات المتنامية بين فصائل المقاومة في المنطقة وليس داخل فلسطين فحسب؟
أصل المشكلة هو الاحتلال، والمقاومة بكافة أشكالها مستمرة إلى أن يزول هذا الاحتلال عن الأراضي الفلسطينية واللبنانية والسورية، وأن يُستأصل هذا السرطان من المنطقة، فلا يكاد يوجد دولة في المنطقة إلا وتضررت منه بشكل مباشر أو غير مباشر. لدينا هدف استراتيجي مستمرون في العمل عليه، وهو توحيد مكوّنات الأمة لنصرة القدس ومقاومة الاحتلال، ونريد للأمة أن تنخرط جميعها معنا في هذه المعركة، فهذه ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، والمسجد الأقصى هو ملك لجميع المسلمين، وسنستمر في العمل على أن تكون فلسطين هي قضية جامعة للأمة بكل مكوناتها، وبالتالي فإن الحالة الطبيعية التي تجمع مكونات المنطقة هي الوحدة في مواجهة الاحتلال، لأن هذا عدو مشترك، ويحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية.

في الواقع، إننا نشهد تصاعداً في مستوى الصراع، وعوامل التفجير متعددة، ولم يسبق أن اجتمعت في آن واحد، فالعدو الإسرائيلي يُضيّق على الأسرى، وقضية الأسرى لها مكانة عالية في الوعي الفلسطيني، ويُسارع في تهويد القدس والاستيلاء على المسجد الأقصى، وهذه قضيّة تمس كل مسلم شرقاً وغرباً، ويسابق الزمن في تنفيذ خطط الاستيطان وشرعنة البؤر الاستيطانية، بل أصبح غلاة المستوطنين يشغلون مواقع صنع القرار حيال الاستيطان، فهم اليوم من يضعون المخططات، وهم من يقرر التمويل، وهم من يحمون المستوطنين في الضفة والقدس. كذلك فإن الاقتحامات في مدن الضفة الغربية متزايدة والقتل العمد لا يتوقف، وهدم البيوت مستمر، ولا تزال غزة محاصرة، وشعبنا في أراضي الـ48 تُمارس عليه تضييقات وتمييز عنصري، فإن كان ما سبق وغيره لا يدعو إلى انفجار الأوضاع، فما الذي سيفجرها إذاً؟

يأتي ما سبق من متغيرات قد تفجّر الأوضاع، في ظل تنسيق متنامٍ بين المقاومة الفلسطينية وقوى المقاومة وداعميها، مما ينعكس إيجاباً على أداء المقاومة القتالي في الميدان، وينعكس سلباً على الخيارات الإسرائيلية، مما عقّد من حسابات العدو الصهيوني، الذي يبحث عن صورة نصر حتى ولو كانت فارغة المضمون. اختصاراً، الوحدة الوطنية وعلى رأسها وحدة المقاومة، ووحدة كل القوى في المنطقة في مواجهة الهجمة الصهيونية شرط أساسي لصد الهجمة وتحقيق الأهداف، وأي اختلاف يعيق المسيرة، ولكنها مستمرة حتى تحقيق النصر.

هل جهود الوساطة الرامية لمنع التصعيد والاغتيالات ما زالت مستمرة؟
هناك جهود وساطة عربية وقوى غربية تُبذل لمنع التصعيد، وهذه الجهود لا تزال مستمرة ولم تتوقف، وهي في دائرة الهدوء مقابل الهدوء، ولكن الواقع أن هذا الهدوء هو ليس هدوءاً كما يبدو، وإنما استمرار لتنفيذ الخطط الإسرائيلية على الأرض بهدوء، وهذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا. وبكل الأحوال لا نتوقع التزام العدو الإسرائيلي بما يتعهد به، وهو في كل مرة يُثبت غدره، وأن تقديره السياسي والميداني مقدّم على ما يتعهد به. كما أننا ندرك أن سياسة الاغتيالات لا تُوقفها الوساطات، عطفاً على أن جميع قادة المقاومة هم مشاريع شهادة وهذه التهديدات لا تُرهب أحداً منا، بل ولا تؤثر على ميدان القتال، فاليوم المقاومة هي حالة راسخة ومؤسسة وليست خلايا تذوب باغتيال القائد.

وها نحن نشاهد التهديدات باغتيال قيادات المقاومة، ودعوات لتسليح المستوطنين وإنشاء أمن خاص في الضفة لحماية الطرق والمستوطنات مع زيادة في سياسة الهدم والمصادرة وتجريف الأراضي ومضاعفة بناء المستوطنات، بالإضافة إلى موجات من المقتحمين للمسجد الأقصى، فكل ذلك اغتيال للهدوء ومشروع للتصفية، ولا تنفع الوساطات.

ماذا عن حقيقة وجود “جهود” أميركية لتهدئة الوضع في المنطقة، وما أسباب ذلك؟
لطالما أرادت الولايات المتحدة بقاء المنطقة رهينة التوترات والنزاعات خدمة لأهدافها في إضعاف المنطقة، وفي تعزيز تفوّق العدو الإسرائيلي، وفي الحفاظ على تفرّدها كقطب وحيد في هذا العالم، لكنها في الوقت الحالي ترغب في منع اشتعال المنطقة، وذلك للتركيز على أولوياتها الأخرى المتعلقة في احتواء الصين، ومواجهة روسيا، وأولوياتها المحليّة أيضاً، وهي تدرك أن فلسطين تحمل بذور الاشتعال، ولهذا تبذل جهوداً حثيثة لمنع انزلاق الأحداث، لما لهذا من تأثير على مشروع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية واحتمالية انهيارها، وكذلك على مشروعها الأكبر القاعدة العسكرية المزروعة في منطقتنا والمسماة “إسرائيل”، إضافة إلى احتمالية تأثير الأحداث على خارج حدود فلسطين وبالتالي تعقيد المشهد في المنطقة كلها.

نحن نتابع التحركات الأميركية الرامية إلى منع التصعيد وهي جهود جدّية، وتضغط على الوسطاء بين المقاومة والعدو، وفي المقابل فهي تحرّك قطعاً عسكرية إلى المنطقة حتى أصبح التواجد العسكري الأميركي في المنطقة هو الأكبر منذ عدّة سنوات. ولعل الرغبة الأميركية في تهدئة الأوضاع وعدم وضع قضية الشرق الأوسط ضمن أولوياتها، تفسدها السياسات الصهيونية الجديدة، مما أوقعهم في مأزق استراتيجي، فالأوضاع الداخلية ليست على أحسن أحوالها، والانتخابات الأميركية على الأبواب، والهجوم الأوكراني المضاد فاشل، واحتواء الصين لا يزال في بداية الطريق، ولذا حقيقة أحسن هدية تهدى لأميركا الآن هدوء في المنطقة، وتقدّم في التطبيع، ومن هنا يأتي الجهد الأميركي الفاشل مع السعودية.

هل الظروف الإقليمية والدولية تخدم الطرف الفلسطيني حالياً في ظل التهديدات الإسرائيلية؟
في الحقيقة لا توجد إجابة قاطعة سواء إيجاباً أو سلباً، فهنالك جملة من المتغيرات والظروف المعقّدة في الوقت الراهن. فعلى سبيل المثال، المشهد الدولي على المديين المتوسط والبعيد يخدم القضية الفلسطينية، حيث إن المشروع الإسرائيلي هو مشروع غربي، ويحظى برعاية دولية، واليوم يشهد العالم تغيرات عميقة، تقديرنا أنها ستقود لتعدد الأقطاب الدولية مما سيحدث توازناً في مشهد الصراع مع العدو الإسرائيلي، كون الكيان الصهيوني هو ركن أساسي من أركان هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وإضعاف تفرّد الولايات المتحدة هو مصلحة راجحة لنا. إلا أنه على المدى القصير وفي ظل انشغال العالم في النيران التي أصابتهم بشكل مباشر، قد يعمل العدو على الاستفراد، والمضي في خططه الهادفة إلى حسم الصراع، والتي لن نسمح بمرورها مطلقاً.

أما المشهد الإقليمي، فنحن نرى البلدان وفق ثلاثة مستويات وهي: الدولة، والنظام الحاكم، والشعب، ونحن متضررون في أن عدداً من الدول بما فيها دول مركزية في المنطقة، تمر في حالة ضعف على صعيد الدولة وعلى صعيد الشعب، مما جعل البلدان وخصوصاً العربية أكثر وهناً وأكثر تعرضاً للضغوط وأكثر قبولاً لها، وبالتالي حصول افتراق في المواقف بين هذه البلدان وبين القضية الفلسطينية، وبين هذه البلدان وبين حقيقة موقفها تجاه القضية. وشاهد الجميع حادثة اللقاء التطبيعي بين الوزيرة الليبية (نجلاء المنقوش) ووزير الخارجية الإسرائيلي (إيلي كوهين)، على الرغم من أن الموقف الليبي رافض للاحتلال، ونشكر الشعب الليبي ومكوناته الحيّة التي رفضت ما حدث، وعبّرت بقوة عن موقفها، وصححت البوصلة.

في المقابل، لا يزال العدو والولايات المتحدة يعملان لأجل دفع مزيد من البلدان لتطبيع علاقاتها مع العدو، ويبذلان جهوداً حثيثة مع المملكة العربية السعودية، وأي خطوة تخطوها المملكة ذات علاقة بالقضية الفلسطينية يكون لها انعكاس وأثر واضح نظراً لوزن المملكة ومكانتها في العالمين العربي والإسلامي. ونحن نحث المملكة على وقف محادثات التطبيع مع العدو الصهيوني، فالتطبيع لن يعود بالنفع على المملكة وسيضر بصورتها في العالمين العربي والإسلامي، خصوصاً أن أشقاءنا في المملكة لا يمثلون أنفسهم فقط ولقد ارتبط بموقفهم ملايين المسلمين لتعلّق قلوب الملايين بمكة والمدينة، وموقفهم يجب أن ينحاز إلى العدل وإلى نبض الأمة الإسلامية.

ونحن جد آسفون لما أقدمت عليه البحرين من فتح سفارة العدو الصهيوني المجرم، وندين ونستنكر بأشد عبارات الاستنكار هذا الموقف المشين، ونعتقد أنه يضر بمستقبل البحرين وأمنها، وفي الوقت نفسه نعتقد أن شعب البحرين الشقيق يرفض ما جرى، ونحن نستنكر هذه الجريمة في حقه، ونعتبر كذلك هذا الموقف من الحكومة طعنة في ظهر شعبنا الفلسطيني.

هل من المبكر الحديث عن تحقيق المقاومة إنجازات سياسية فلسطينية على حساب التصعيد القائم في الضفة والتلويح بالقوة ضد غزة ولبنان؟
نحن في مرحلة دفاع، وتطوير القدرات الذاتية، وتعزيز شبكة التحالفات، واستمرار المقاومة هو جدوى بحد ذاتها، وبكل تأكيد فإن المقاومة هي وسيلة لتحقيق أهداف سياسية وهذه أمام أعيننا، ولكن لجني هذه المكاسب السياسية فإن جملة من الظروف بحاجة إلى تغيير، وهذه ستأتي لكن لا نتوقع في المدى القصير. بكل الأحوال نحن مستمرون في المقاومة ونسعى لتصعيدها، ولن نتراجع حتى تحقيق كامل أهدافنا بعون الله. نحن لسنا في مرحلة لنتحدث فيها عن إنجازات سياسية للمقاومة، فمن المبكر القول بهذا، ولكن بلا شك أن قوة غزة ولبنان وعموم المقاومة أمر واقع ويتطور كل يوم مع المقاومة في عموم أرضنا الفلسطينية ومخيماتنا، وباحتضان من أمتنا وأحرار العالم سنصنع نصراً هو آتٍ إن شاء الله.

هل اختصار الحديث عن الاحتلال والمقاومة في هذه المرحلة يزيد من تقويض وجود السلطة وأهميتها في معادلة الهدوء، خصوصاً بعد الرفض الفلسطيني لملاحقة المقاومين خلال الأيام الماضية؟
لا أحد يكترث بالسلطة الفلسطينية، فلا وزن لها في المشهد، وحين يجري الحديث عن التهدئة فهي ليست العنوان كونها لا تمتلك مفاعيل على الأرض، ولا تمتلك تأثيراً لدى شعبنا، بل يراها معظم أبناء شعبنا عبئاً على القضية، وبالتالي لا وزن لها في المشهد الوطني إلا من زاوية وظيفة تحقيق الأمن للاحتلال، والتنسيق الأمني معه، ومحاربة مظاهر المقاومة واعتقال المقاومين. ونرى كيف أنهم يستأسدون على أبناء شعبنا، في المقابل تختبئ القوات الأمنية حين يقتحم العدو المدن الفلسطينية، بل المدن الواقعة تحت السيطرة الأمنية الفلسطينية وفقاً لاتفاق أوسلو. نقول ذلك بكل أسف، ونأسف لأن تكون المؤسسة الرسمية الفلسطينية خادمة للاحتلال، بل باتت إحدى أذرعه التي تعيق انعتاق شعبنا وتحقيقه لآماله في الحرية والعودة.

سيرة

موسى أبو مرزوق من مواليد 1951 في مخيم رفح جنوب قطاع غزة، هُجّرت عائلته قسراً من قرية يبنا قضاء الرملة بعد النكبة الفلسطينية عام 1948.

درس الهندسة الميكانيكية في جامعة حلوان بمصر، ونشط في العمل الإسلامي منذ عام 1968. في عام 1992 انتُخب كأول رئيس للمكتب السياسي لحركة “حماس”، ثم عمل نائباً لرئيس المكتب السياسي للحركة بعد الإفراج عنه عام 1997، وحلّ إسماعيل هنية بدلاً منه عام 2014، وفي عام 2017 جرى تعيينه رئيس مكتب العلاقات الدولية والخارجية لـ”حماس”.

ترأس وفد “حماس” في جولات عدة من جولات المصالحة الفلسطينية، كما ترأس وفد الحركة في حوارات القاهرة منذ عام 2009 وحتى بعد إعلان تشكيل حكومة الوفاق الوطني عام 2014، وكذلك ترأس وفد الحركة المفاوض أثناء العدوان على غزة عام 2014.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × واحد =

زر الذهاب إلى الأعلى