مقابلات صحفية

موسى أبو مرزوق لـ”نون بوست”: الطوفان أنقذ القضية الفلسطينية من الاستئصال

كشف عضو المكتب السياسي لحركة حماس ونائب رئيسها في الخارج، موسى أبو مرزوق، عن وجود اتصالات من دول غربية فاعلة مع الحركة، حيث لا يكاد توجد دولة غربية فاعلة إلا ولها اتصالات مع الحركة.

وقال أبو مرزوق في حوار صحفي خاص مع “نون بوست” إن رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يستخدم مفاوضات التبادل التي يقوم بها الوسطاء لتضليل الرأي العام الإسرائيلي، ولا يريد الوصول إلى اتفاق.

وشدد القيادي البارز في حركة حماس على رفض حركته المطلق “أي هدنة مؤقتة، وما نريده هو إنهاء للحرب، وهذا ما يريده شعبنا في قطاع غزة، ومن غير المعقول أن نذهب لاتفاق وكأنه وقت مستقطع، ومن ثم يستكمل الجيش الإسرائيلي إبادته لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة”.

ووفق أبو مرزوق، تقوم سياسة حركته على عدم قطع الاتصال مع أي مكون فلسطيني، والعمل دومًا على التقارب لا زيادة الفرقة، وقد قابلت الحركة عددًا من قيادات فتح، وعُقد لقاءان في موسكو وبكين، وتعمل على ردم الهوة فيما بين المكونات، والوصول إلى تقارب يخدم معركة شعبهم ويخفف من جراحاته.

وفيما يلي الحوار نصًّا:

محور التفاوض

هل يستخدم الاحتلال المفاوضات للضغط عليكم وكسب الوقت؟

الحركة حريصة على إنهاء الإبادة الإسرائيلية لشعبنا في قطاع غزة، وسياسة الحصار والتجويع والتهجير التي ينتهجها الكيان الصهيوني المجرم، ولهذا تتعامل الحركة بروح إيجابية عالية مع مقترحات وأفكار الوصول إلى وقف إطلاق نار شامل وإنهاء العدوان، وقد وافقت الحركة على مقترح الوسطاء، والذي وافقت عليه الولايات المتحدة الداعم الأساسي للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن حكومة العدو تراوغ ولا تتفاوض بجدّية.

وخاضت الحركة العديد من جولات الحوار غير المباشر مع العدو الإسرائيلي، سواء في الدوحة أم القاهرة، ولمسنا طوال هذه المفاوضات عدم جدّية العدو في الوصول إلى وقف إطلاق النار، وقد كان بنيامين نتنياهو يرسل الوفود بلا صلاحيات، وفي آخر جولة أرسل وفدًا متدني المستوى بلا صلاحيات، ولهذا هو يستخدم المفاوضات لتضليل الرأي العام الإسرائيلي، ولإظهار على المستوى الدولي أنهم يريدون الوصول إلى تسوية رغم أن سلوكهم يقول غير ذلك.

لماذا فشلت كل الجهود منذ ديسمبر/ كانون الأول الماضي في الوصول إلى اتفاق؟ ولماذا ترفضون اتفاقًا مرحليًّا يخفّف من حدّة الأزمة الإنسانية؟

نحن نرفض أي هدنة مؤقتة، وما نريده هو إنهاء للحرب، وهذا ما يريده شعبنا في قطاع غزة، ومن غير المعقول أن نذهب لاتفاق وكأنه وقت مستقطع ومن ثم يستكمل الجيش الإسرائيلي إبادته لشعبنا الفلسطيني في قطاع غزة، وجميع الأطراف الدولية تؤيد موقف الحركة بالوصول إلى إنهاء للحرب لا هدنة مؤقتة، ولا يوجد أي عاقل يقبل باتفاق يُتيح الاستمرار بجريمة الإبادة بعده. وقبولنا بالهدنة المؤقتة ينهي قرار مجلس الأمن الدولي، وكذلك محكمة العدل الدولية، ويبطل مفعولهما.

هل ستتحول المفاوضات إلى نسخة مطابقة عن لقاءات المصالحة الفلسطينية أو لقاءات المفاوضات بين الاحتلال والسلطة الفلسطينية؟

هنالك فرق في التشبيه، فالمصالحة الفلسطينية هي مسألة وطنية داخلية وهي خلاف سياسي، والمعركة مع العدو هي معركة تحرر وطني، ورغم الفارق في التشبيه، إلا أن هناك عاملًا مشتركًا، وهو أن أحد أهم معرقلي المصالحة للوصول إلى اتفاق وقف إطلاق النار هو العدو الإسرائيلي.

ثم إن خسائر العدول الصهيوني في الأرواح والاقتصاد والاختلافات الداخلية، بالإضافة إلى صمود شعبنا وفعالية مقاومتنا، من أهم الأسباب التي ستجعل العدو ينسحب وينهي عدوانه الإجرامي، ناهيك عن صورته في العالم كمجرم حرب لم يحترم القرارات الدولية، والمحاكم الدولية كذلك.

هل تتعرضون لضغوط من الوسيطَين المصري والقطري؟ وكيف تنظرون إلى الهجوم الدائم على الوسطاء؟

الهجوم على الوسطاء هو من الاحتلال الإسرائيلي ومن الدول الغربية الداعمة للاحتلال، لأنهم يريدون أطرافًا ضاغطة على المقاومة لا وسطاء، ولم يمارس أي من الوسطاء ضغوطًا علينا، وهم يمارسون دورهم في ظل تراجع الاحتلال بعد كل تقدم، لأنه غير جدّي في الوصول إلى اتفاق، ولكنه سيرضخ ويوقف نار حربه على شعبنا، وكما قال الله تعالى: “كُلّما أَوقَدُوا نارًا للحَربِ أطفَأهَا اللهُ”.

ما هي آخر ورقة قُدمت لكم؟ وما المعيقات الأساسية فيها؟ وما هي النقاط التي يمكن البناء عليها؟

الورقة التي قُدمت لنا من الوسطاء ورقة معقولة ووافقت الحركة عليها، والحقيقة أن الاحتلال كان يتوقع رفضنا الورقة، وكذلك فوجئ بردّنا، وهي تنصّ على جملة من المواقف التي يطالب بها المجتمع الدولي وليس حركة حماس فحسب.

ففيها وقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب كامل القوات المحتلة من قطاع غزة، وإعادة إعمار القطاع، وإنهاء حصار قطاع غزة، بالإضافة إلى جدولة لتبادل الأسرى مرضية لكل الأطراف، ولا معيقات في الورقة سوى موقف نتنياهو، وهو شخصي، نابع من حرصه على إبقاء تحالفه الحكومي قائمًا، وعلى إبعاد شبح السجن عنه.

هل يمكن أن تقبل حركة حماس بالوساطة الأمريكية كطرف ضامن للاتفاق؟

قبلت حركة حماس أن تكون الولايات المتحدة إحدى الدول الضامنة، فهي الدولة الراعية للاحتلال، ومع ذلك لا نريد أن تكون الضامن الوحيد، فلا يجمعنا مع الأمريكيين عامل الثقة، وهم الداعمون الحقيقيون للعدو الصهيوني، وهم من يحمونه في المحافل الدولية.

محور الحرب: الطوفان والميدان

هل ما حصل من عمليات نفّذها جيش الاحتلال لم يكن في حسابات حركة حماس؟

يؤلمنا ما يتعرض له شعبنا من قتل وتجويع ونزوح، وهدم بيوت ومصالح معتبرة لشعبنا، وهذا الألم لا يمكن وصفه أو التعبير عنه بدقة لشدّة ما يتعرض له أهلنا، ما يشير إلى وحشية العدو الإسرائيلي الذي يبحث عن الدم كبحث البشر عن الماء، والعدو مارس منذ اليوم الأول لاحتلال فلسطين جرائم بشعة بحقّ شعبنا، واستمر في هذه الجرائم ولن تنتهي إلا بانتهاء هذا الاحتلال الظالم والمجرم، وليس لنا من سبيل إلا مقاومة الاحتلال، وتحقيق آمال شعبنا في الحرية والاستقلال، وتقرير مصيره بنفسه.

هل يمكن القول إن سلطة حركة حماس الحكومية انتهت بفعل الحرب؟ وما هي رؤيتكم لإدارة القطاع مستقبلًا؟

لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من إسقاط حكم الحركة لقطاع غزة، رغم أن جميع المنشآت الحكومية التي تخدم المواطنين تعرضت إلى تدمير كامل، ولم تبقَ أي منشأة، وأشاع الجيش الفوضى وسمح لبعض المتعاونين معه بسرقة بيوت المواطنين وممارسة الفوضى، وجميع هذه المظاهر ستنتهي قريبًا.

أما حُكم قطاع غزة فهو مسألة فلسطينية، ونحن عرضنا قبل الحرب تشكيل حكومة وحدة وطنية، غير فصائلية، من مختصين، مؤقتة، وبمهام محددة من ضمنها التجهيز لانتخابات عامة، وما زلنا مع هذا الخيار، ونريد أن نُعيد الحق في الاختيار لشعبنا، وما يختاره الشعب سنوافق عليه، وما تعرّض له شعبنا فرصة للوحدة الوطنية على أساس مقاومة الاحتلال، ومعالجة آثار الحرب.

هل التلويح مسبقًا بعملية رفح والبدء بها يعني عودة احتلال قطاع غزة كاملًا؟ وما انعكاسه عليكم؟

انتقل اجتياح رفح من التهديد إلى الفعل على الأرض، فمدينة رفح تتعرض إلى عملية عسكرية بشعة في هذه الأثناء، ونحن مستمرون في المقاومة وسنصدُّ هجمته بإذن الله، وسنعمل على حماية شعبنا من هذا الجيش المتوحّش، ولا يمكن للاحتلال السيطرة الكاملة على قطاع غزة، وهذا ما فشل فيه منذ أكثر من 220 يومًا، وهو اليوم يعود إلى القتال في شمال غزة الذي قال إنه أنهى على المقاومة فيه قبل 5 أشهر.

هل مستعدة كتائب القسّام والمقاومة من الأساس لعملية طويلة الأمد بالذات وإن الكثافة النارية وإطلاق الصواريخ تراجعا كثيرًا؟

المقاومة الفلسطينية تخوض معركة تاريخية وهي معركة طويلة الأمد، ولا تريد الحركة لهذه الحرب أن تستمر يومًا واحدًا لكنها مستعدة لحرب طويلة، وتقتصد في القوة البشرية والمادية، وهذا سبب انخفاض وتيرة إطلاق الصواريخ، وحين صعّد العدو من هجومه مؤخرًا عادت وتيرة الصواريخ لضرب بئر السبع وسديروت وعسقلان.

ما الذي يعنيه استمرار الحرب بهذه الطريقة؟ وهل هذا السيناريو كان حاضرًا لديكم مع انطلاق “طوفان الأقصى”؟

جاءت عملية “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر صرخة في وسط الآذان الإنسانية، ليسمع المجتمع الدولي ويرى بعد أن استطاعت أمريكا أن تعطّل حواسه، فكان السابع من أكتوبر هو قرار الطبيعة الوطنية المتمردة على الوهم والخداع والظلم والعدوان.

ولو لم نهاجم فرقة غزة العسكرية في الجيش الإسرائيلي يوم السابع من أكتوبر لانتهت القضية الفلسطينية، لأن الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لديها خطة حسم الصراع، وجميع المؤشرات تؤدي إلى أن القضية الفلسطينية كانت ذاهبة نحو الاستئصال، ولهذا جاءت العملية العسكرية لأجل الحفاظ على القضية الفلسطينية.

قرار عملية “طوفان الأقصى” هو تراكم منطقي لاستمرار جرائم الاحتلال الذي لا يعير أي اهتمام ولا يحسب أي حساب للقانون الدولي والقرارات الدولية، باعتبار القدس والأقصى أعيانًا محتلة لا يجوز المساس بها بأي شكل، وانتهاكاته بحقّ الأسرى الفلسطينيين الذين هم أسرى حرب حسب اتفاقيات جنيف خاصة الاتفاقية الرابعة، وعمليات الاستيطان وقرارات التهويد منتهكًا القرارات الدولية بخصوص كامل الأراضي الفلسطينية.

فضلًا عن كل أشكال الانتهاكات الأخرى على الحواجز وحصار غزة بحرًا وجوًّا وبرًّا، والتعامل مع القطاع باعتباره سجنًا كبيرًا يضم 2.5 مليون إنسان محاصر ممنوع من السفر ومن الدراسة ومن العمل، ومن ممارسة معظم الحقوق التي كفلتها القوانين والمنظمات الدولية والإنسانية.

ما الذي تعنيه السيطرة على معبر رفح؟ وهل يمكن أن تتنازل حماس عن إدارة المعبر؟

لن تتنازل حركة حماس عن ذرّة رمل واحدة في قطاع غزة أو في فلسطين للعدو الإسرائيلي، وهذه مسألة مفروغ منها، ولن نسلم بأي شيء لهذا العدو، وإدارة معبر رفح هي مسألة وطنية نناقشها مع المكونات الوطنية الفلسطينية، ولا علاقة للعدو ولا الأطراف الداعمة له به أو بغيره من المسائل في قطاع غزة.

لماذا برأيكم سيطر الاحتلال على المعبر؟ وهل دخل هو الآخر إطار التفاوض؟

لا يحتاج الاحتلال إلى مبررات فيما يقوم به بقطاع غزة، فهو احتلال لا يريد أن يرى أي فلسطيني على هذه الأرض، وكنا نقول قديمًا إن الاحتلال يرى أن الفلسطيني الجيد هو الفلسطيني الميت، إلا أن هذه الحرب أثبتت أنه لا يريد حتى الفلسطيني الميت في هذه الأرض، فنبش القبور وسرقة الجثث وتدمير المقابر خير شاهد على ذلك.

وأراد الاحتلال باحتلاله لمعبر رفح تعقيد الحالة الإنسانية في قطاع غزة بمنع الأفراد والجرحى من العبور، وإظهار أن عمليته ناجحة عبر السيطرة على المعبر الوحيد في قطاع غزة، وهو يرسل بهذه رسالة إلى مجتمعه الذي لا يزال يغذي بقاء الحرب في غزة، وفي المقابل يظن أن السيطرة على المعبر ستكون وسيلة للضغط على الحركة والقبول باتفاق يُرضي الاحتلال ولا يُرضي شعبنا.

كان موقف السلطة مشابه لموقف الفصائل برفض وجود ثالث تحدث به حسين الشيخ.. هل هذا يعكس توافقًا مع السلطة؟

الأفضل للسلطة الفلسطينية اتخاذ مواقف تتسق مع الشعب الفلسطيني ومع الفصائل الفلسطينية، لأن الفجوة الوطنية بينها وبين شعبنا باتت كبيرة جدًّا، ونحن نأمل أن تكون المعركة وفاتورة الدم الكبيرة سببًا في تقريب وجهات النظر مع إخواننا في حركة فتح.

هل الاتصالات مفتوحة مع حركة فتح والسلطة؟ وما شكلها؟

سياسة الحركة عدم قطع الاتصال مع أي مكون فلسطيني، ونعمل دومًا على التقارب لا زيادة الفرقة، وقد قابلت الحركة عددًا من قيادات فتح، وعقدنا لقاءين في موسكو وبكين، ونعمل على ردم الهوة فيما بيننا، والوصول إلى تقارب يخدم معركة شعبنا ويخفف من جراحاته.

العلاقات الخارجية

هل تعرضت حركة حماس للخذلان من محور المقاومة فيما يتعلق بالإسناد؟

نحن نريد لكل أطراف الأمة وقواها الفاعلة الانخراط في المعركة، كل حسب قدرته وطاقته وإمكاناته، وكل طرف يؤدي من الأدوار ما يجب فعله، ولا يقف بعضنا حكمًا على الآخر، ولا شك أن إخواننا في لبنان قدموا أكثر من 400 شهيد، والأشقاء في اليمن نصروا غزة بالدم والفعل، ونحن نريد لجميع ساحات ودول أمتنا العربية والإسلامية أن تنخرط في القتال ضد عدونا وعدوهم، فهذه المعركة ليست معركة غزة وحدها.

الحديث الإسرائيلي المتتابع عن علاقة قطر بكم هل يمكن أن يؤدي إلى مغادرة الحركة الدوحة في المدى المنظور؟

يظن الاحتلال الإسرائيلي أن قضية تغيير واقع وجود الحركة في دولة قطر سيؤثر على قرار الحركة في المفاوضات، والقبول باتفاق لا يلبّي الحد الأدنى من تطلعات شعبنا، وهذا وهم، وهذه مسألة لا تشكّل ضغطًا علينا، وبكل الأحوال قطر لم تطلب منا شيئًا، وكل الأحاديث جاءت في سياق الضغط على قرار الحركة في التفاوض، ولعلّ العمل العسكري يأتي في هذا السياق أيضًا، ولكن لا هذا ولا ذاك يجدي، يجب أن تتحقق إرادة شعبنا.

هل هناك اتصالات مع دول غربية أم أن عملية “طوفان الأقصى” أوقفت جميع الاتصالات؟

لا يكاد توجد دولة غربية فاعلة إلا ولها اتصالات مع الحركة، ومن يظهر في العلن أنه يضع الحركة على قوائم الإرهاب، نحن نلتقيهم دون الإعلان احترامًا لرغبتهم، والاتصالات معهم مستمرة، ونخبرهم عن استيائنا من مواقفهم المساندة للاحتلال، والتعامل بازدواجية معايير فاضحة.

منشورات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنا عشر − 1 =

زر الذهاب إلى الأعلى